كل بيت وفي كل ناد وفي كل مصنع، وفي كل مكان فيه إنسان يعقل - كما تفعل بريطانيا الغادرة بباطلها الذي تنفثه في كل حنية من حنايا هذا العالم، متظاهرة بأنها المدافعة عن الحق وعن الحرية وعن العدالة وعن رفع مستوى الشعوب!! وياله من كذب لا يلفه إلا الحق الأبلج! فأين نحن من هذا كله؟ أين؟ أفي البغضاء وتعداد المساوئ الماضية، وبسط الألسنة في المطوي من الأحداث القديمة؟ إننا لن ننال شيئا إذا فعلنا إلا الخزي والعار وعرض فضائحنا على أعين الناس!
إننا أيها السادة محاربون، فافعلوا فعل المحاربين في ساحة القتال، لا فعل المتشاتمتين على قارعة الطريق. واذكروا هذا الوطن، فهو أحق بالذكرى من ضغائنكم وإحنكم وإثاراتكم. اجعلوا هذه كلها دبر آذانكم وتحت أقدامكم، فإن الوطن يأمركم بهذا فأطيعوه ولا تطيعوا داعي الشهوات وكراسي الحكم ومقاعد البرلمان فكلها عرض زائل، وإن هذه أمتكم أمة واحدة، وهي هي التي تتقدم إلى مجلس الأمن بقضيتها، لا فلان هذا ولا فلان ذاك؛ فالكلمة الآن لمصر التي أنتم أبناؤها، لا لأحد منكم على حياله. فأجمعوا أمركم، ولا تحملنكم الكبرياء على تزييف القول إرضاء لشهوات أنفسكم، فإنكم إن فعلتم كدتم لبلادكم وأوطانكم وشرفكم كيدا لا يكيده عدو حقود ولا شامت باغ لكم أهوال المصائب. وماذا تريد بريطانيا إلا اختلاف الكلمة وتفرق الوحدة؟ ألم تدركوا بعد ماذا كان يريد كهف بريطانيا بيفن جين زعم أنه لم يعرف أنه أخطأ إلا يوم عزمت مصر والسودان على رفع قضيتها إلى مجلس الأمن، فإنه زعم أنه أخطأ إذ أدار المفاوضات بينه وبين حكومة أقلية!! ويا سبحان الله! إنه لم يرد تلك الأكثرية التي يعرض بها إلا أن تكون خصومة ولدداً على حكومة الأقلية، وأن يستثير دفائن الأحقاد ويفت من عضد الأمة التي سوف ترغمه وترغم بريطانيا على احترام إرادتها وحقها. فإن لم يكن في الاتحاد والتناصر إلا قتل هذه الكلمة وما ترمي إليه، حتى يحمل الرجل حسرنها إلى الأبد - لكان ذلك واجبا مفروضا وخيرا مرغوبا فيه. وكيف جاز في العقول - أعني عقول بعض الساسة - أن الأمر أمر حكومة أقلية أو أكثرية!! لا أدري، ولكنه كان.
ومع كل ذلك، فالأمر كله تدليس سخيف، ففي البلاد المنكوبة المهضومة الحقوق، لا رأي لأكثرية ولا أقلية بل الرأي للشعوب وللبلاد - أي للشعب من حيث هو تاريخ ماض