قرأت هذا في مراجعنا ثم وقع نظري على ما كتب الأب لامنس اليسوعي إذ قال:(لفت خليج العقبة وموقع أيلة أنظار البطل الصليبي ولمس أهميته فعمل على إحتلال تلك البقعه ونشر الرعب بأسطوله، ولاشك في أنه في ضرب مثلاً بإقدامه وجرأته لجمع كبير من أبطال الاستعمار الأوروبي وبناته الذين جاءوا من بعده فجاهدوا مثل جهاده، فهو الذي شق الطريق أمامهم وهم نسجوا على منواله)
حركني هذا الكلام مع غيره مما قرأت من كتاب الأوروبيين الذين أشادوا بعمل البرنس أرناط، أن أتتبع هذه المرحلة، التي لم تعجبني الدوافع التي أملتها، وإن كانت عملاً حربياً كبيراً فيه المجازفة والمخاطرة إلى أبعد حدودها، وأعجبت من عمل مصر ورجال صلاح الدين الذين عالجوا الموقف وخطورته بجرأة وإقدام ومجازفته لا تقل عما لدى الخصم وكان أن كتب النصر لهم.
فلنقف هنيهة لننظر ما لنا ذلك العصر من بطوله وقوه ومن مشاكل وأحداث ومصاعب: في الفترة التي برز فيها هذا الخطر كان صلاح الدين بعيداً عن مصر، يجمع شتات ملك الشام. كان ينازل الموصل بعد أن تم له فتح حران وسروج وسنجار ونصيبين والرقة وجميعها من بلاد الفرات الشامية، فإذا برسول خليفة بغداد يستعطفه بشأن الموصل فيرحل عنها ليأخذ حلب من عز الدين مسعود الأتابكي ويعوضه عنها بسنجار.
في وسط هذه المقامع القائمة وتبدل الدول حيث يعمل البطل الكبير إلى عودة حدود الملكية المصرية الإسلامية إلى سابق عهدها، كما كانت أيام طولون والأخشيد والفواطم في إبان مجدهم، يفاجأ بهذه الحركة التي يقصد منها عرقلة مشاريعه وقطع اتصاله عاصمة ملكه. وسنرى أن العاهل الكبير أدرك خطورة هذه الحملة فقطع ما كان مزمعا عليه وعاد إلى الشام ليدبر حملاته الكبرى التي أفتتح فيها أراضي الكرك والشوبك ثم انتهى إلى حطين حيث وقع البرنس ارناط بين يديه.
لقد خدم ارناط العروبة ودين محمد، فقد كنا نحبو إلى حطين حبواً، فإذا بالطاغية وملحمته التي أثارها يجعلنا نركض أليها ركضاً، نعم، لنكتب على صعيد فلسطين أنباء المعركة الفاصلة في التاريخ والتي حطمت ملكاً أنشأه الفرنجة ظلماً على أراضي آسيا الإسلامية