وكان ليو منذ صغره مولعا بركوب الخيل، وقد تعلم الركوب في سن مبكرة على الرغم من معارضة أمه إياه في لك؛ وقد رأى أخويه اللذين يكبرانه يمتطيان جواديهما ذات يوم فما زال يلح حتى سمح له بأن يمتطي جوادا كما فعلا فإذا به بعد خطوات فوق عرفه يطوق عنقه بساقيه ويسمك بجبهته، فلما أعيد إلى حيث كان لم يبد عليه شئ من الخوف وصمم على أن يطلق العنان لجواده وانطلق به يعدو وهو ثابت فوق صهوته ومن ذلك الوقتاصبح يجيد الركوب.
وفكر الغلام ذات يوم في أمر: لم لا يطير كما تفعل الطير؟ لم لا يضع ذلك موضع التجربة؟ إنه يرى أنه مستطيع بحركة ما أن يثب طائرا فيسبح في الجو كما تسبح الطير؛ وإن في نفسه منذ صغره لميلا إلى أن يضع ما يهجس في خاطره موضع الاختبار، ولسوف يكبر معه هذا الميل فيظهر في مواطن كثيرة؛ ويشد الغلام بيديه حول ركبتيه ثم يثب من نافذة يريد أن يطير ولكنه يصحو بعد ثمان عشرة ساعة قضاها في سبات عميق فيفتح عينيه دهشا متحيرا يحاول أن يذكر ماذا كان من أمر طيرانه فيذكره ما يحس من ألم من مفاصله وأضلاعه.
ولم يقتصر شذوذه على هذا الحادث، واكثر ما كان من شذوذه ما كان يتصل باهتمامه بهيئته، ومن ذلك أنه حلق شعره ذات مرة بالموسى لعل في ذلك إصلاحاً لشكله ثم عاد فأطلق شعره حتى استطال، وعمد إلى المشط فجعل به ذلك الشعر في موضع خاص لعل في ذلك أيضاً ما يكسبه وجاهة وليظهره في هيئة المهموم المفكر على نحو ما يظهر بيرون. وعمد مرة أخرى إلى حاجبيه ١٧. ٢٨ فانتزع شعرهما بملقط كي يشتد بعد ذلك نماؤه فيكسب ملامحه مظهرا عاطفيا شعريا، ولكنه لم يرجع من وراء هذا كله بطائل الأمر الذي نغص عنده العيش.
ولقد جاء في كتابه (عهد الطفولة) قوله (كنت اعلم حق العلم أني لم أك حسن المنظر، ولذلك كانت كل إشارة إلى هيئتي تسيء إلى إساءة مؤلمة، ولقد مرت بي لحظات تملكني فيها اليأس وخيل إلى أنه لا يمكن أن تتهيأ السعادة على هذه الأرض لمن كان له انف كانفي العريض وشفتان كشفتي الغليظتين وعينين كعيني الصغيرتين الشهباوين، وسألت الله أن يحدث معجزة فيجعلني وجيها فأني لأجود بكل ما هو لدي وبكل ما عسى أن اظفر به