وأنا رجل والحمد لله قد درست العربية، ووقفت عليها حياتي، واستوفيت ما كتبه علماء البلاغة والنقد في فهم الأساليب، وإدراك أسرارها، ولكني أشهد الله عاجز كل العجز عن فهم هذا الأسلوب المعجز، الذي لا أول له يعرف، ولا آخر له يوصف. . . فيا ضيعة العمر والجهد، إذ أجدني بعد طول ما بذلت وأفنيت عاجزا عن فهم مقال في صحيفة أدبية. . .
ولا أكتم القارئ أني سألت صديقا لبقا أن يعينني على فهم هذا الأسلوب، فقال لي الصديق الماكر: حسبك يا أخي فإنه أسلوب الصم البكم، وفيه ما يسميه البلاغيون (بمراعاة النظير) فقد كان بتهوفن على ما يروون أصم وكانت كل عبقريته في اللحن، فكان من براعة الكاتب أن تحدث عنه بهذا الأسلوب الأصم الملحون. . .
هذا ما قاله الصديق والعهدة عليه، ولكني والله ما زلت حائرا في فهم هذا الأسلوب (المعجز) الذي يكتب به إخواننا الذين يعيشون في (تل من الخواطر والخيالات).
وآخر بريطاني!
في الأسبوعين الماضيين وصل إلى مصر مسيو ديهاميل الأديب الفرنسي الكبير كما عرف القراء مما كتبنا عنه وقام بإلقاء سلسلة من المحاضرات في الأحاديث عن الثقافة الفرنسية وما أدت من خدمات للشرق العربي، ثم طار في نهاية الأسبوع الماضي إلى الجزائر لإتمام رحلته في أداء مهمته. وفي هذا الأسبوع وصل إلى مصر الأديب الإنجليزي الكبير مستر ريموند مورتا يمر لإلقاء سلسلة من المحاضرات في القاهرة والإسكندرية وأسيوط عن الأدب في العصر الفكتوري، وعن الرواية في الأدب الإنجليزي الحديث، ويقولون إنه بعد أن يفرغ من أداء هذه المهمة سيطير هو الآخر إلى قبرص لإلقاء سلسلة محاضرات هناك. .
وأنا أعرف أن الأدب لا وطن له، وأن مودة الفن والثقافة أكبر وأعظم من أن يحدها وضع جغرافي، ولكني أعتقد أيضاً أن القارئ لا يطيق أن يلقى بالا لأديب يبغضه ويمقته، ولا شك أن هؤلاء الدعاة الذين يتوافدون علينا لتزجية الأحاديث الأدبية والثقافية يقدرون هذا، ويقدرون أننا في موقف نضال عن حريتنا وكرامتنا التي يأبى الاستعمار الإنجليزي والفرنسي إلا تقييدها وإذلالها، فليس من المعقول أن يطربنا الأديب الإنجليزي الكبير