لا تنطبق عليها؛ لأن القاعدة هي إباحة الاجتهاد للإمام في أمر يقتضيه العدل لا نص فيه ولا أثر شرعيا، والمثال إنما هو في أمر جاء به نص من كتاب الله، ولكن الإمام فيما ترى تصرف به خلافه وهو نفسه يسلم بهذا النص! فالقاعدة شيء، والمثال شيء آخر، ولا صلة جامعة بينهما
وأما ما يتعلق بتصرف عمر رضي الله عنه في أمر جاء به نص في كتاب الله، وتركه هذا النص وعدوله عنه إلى رأيه، كائنة ما كانت أسبابه، فأقول: إن هذا لأمر إد منكر ينزه عمر منه، وقد أجمع المسلمون على أنه لا اجتهاد في مورد النص، وإنه ليفتح منفذا إلى الإسلام يهدمه من قواعده، ويجعل القرآن مهجورا، وحينئذ تبطل الحاجة إليه والى الدعوة إلى اتخاذه أساسا للعالم الجديد المنشود. وهذا الرأي فيما أرى يرجع في حقيقته إلى مذهب أهل التحسين والتقبيح العقليين، ومحصول مذهبهم كما قال الشاطبي تحكيم عقول الرجال دون الشرع، وهو أصل من الأصول التي بنى عليها أهل الابتداع في الدين، بحيث أن الشرع إن وافق آراءهم قبلوه، وإلا ردوه.
وأنا أجلك يا سيدي من تصور ذلك فضلا عن إرادته. وإنما التبس الأمر في الموضوع بين المصلحة المرسلة الشرعية والتحسين والتقبيح العقليين، فكان هذا الذي نراه من القول، وهو قول ينبغي تحريره في ضوء القاعدة المذكورة في ص١٢٨ ومباحث المصلحة المرسلة التي تبسطت فيها كتب أصول الفقه ونحوها، ومن أحسن ما قرأته فيها ما كتبه الشاطبي رحمه الله في كتاب الاعتصام، وهو مطبوع بمطبعة المنار بمصر. وفي هذا الكتاب يقول الشاطبي:(إن تحكيم الرجال من غير التفات إلى كونهم وسائل للحكم الشرعي المطلوب شرعا، ضلال. . . وإن الحجة القاطعة والحاكم الأعلى هو الشرع لا غيره). وضرب لذلك أمثلة من وقوف كبار الصحابة فيما يعرض لهم من النوازل عند حدود النصوص، وإذعانه لطاعة الله ورسوله دون أن يعبئوا برأي من رأى غير ذلك، منها مسألة السقيفة، وقتال مانعي الزكاة، وبعث أسامة. ومن هؤلاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد كان من أكثر القوم انصياعا إلى نصوص القرآن وأشدهم طاعة لرسول الله، بذلك عرف واستفاضت عنه الروايات، حتى وصفوه بأنه (كان وقافا عند كتاب الله).
ففي الصحيح عن أبي وائل قال: جلست إلى شيبة في هذا المسجد قال: جلس إلى عمر في