مجلسك هذا قال: هممت أن لا أدع صفراء ولا بيضاء إلا قسمتها بين المسلمين؛ قلت: ما أنت بفاعل قال: لم؟ قلت: لم يفعله صاحباك. قال: هما المرآن أقتدي بهما - يعني النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه
وعن ابن عباس رضي الله عنهما في حديث عينة بن حصن حين استؤذن له على عمر، قال فيه. فلما دخل، قال: يا ابن الخطاب! والله ما تعطينا الجزل، وما تحكم بيننا بالعدل. فغضب عمر حتى هم بأن يقع فيه. فقال الحر بن قيس: يا أمير المؤمنين! إن الله قال لنبيه عليه السلام (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين). فوالله ما جاوز عمر حين تلاها عليه، وكان وقافا عند كتاب الله.
إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة عن وقوفه عند الكتاب والسنة، مما لا أريد أن أثقل على طبعك بروايته، وفيما سأورده من القول في حقيقة مسألة تقسيم السواد نفسها مثال آخر أيضاً من أمثلة التزامه حدود كتاب الله؛ لعلمه أن ما جاء به القرآن هو العدل المطلق الذي لا يعقل أن يكون وراءه عنده أو عند أي إنسان آخر عدل أسمى منه بحيث يسوغ له أن يعدل به عن ظاهر النص القرآني أو يتركه لأجله وهو نفسه يسلم بالنص!!
وأما حقيقة مسألة السواد والنزاع الذي قام من أجل تقسيمه أو عدمه بين عمر بن الخطاب وبعض الصحابة حتى وفق للاستناد إلى نص القرآن فسكتوا ورضوا، فهي مذكورة في كتب التفسير والحديث والأموال، ومنها كتاب الخراج للقاضي أبي يوسف صاحب الإمام أبي حنيفة (ص٢٨الى٣٢)، وهو يورد حجة عمر من كتاب الله نصا، ويعلق عليها أجمل تعليق، وأحسب يا صديقي أنك منه نقلت ما نقلت، لتماثل العبارتين، ولكنني أعجب كيف اقتصرت على الجانب التاريخي من المسألة، وأهملت الجانب الديني منها وبه استدلال عمر بالقرآن على صحة ما يذهب إليه من الامتناع من القسمة، حتى رأيت أنه يصح لك أن تقول: إنه عدل برأيه عن ظاهر النص القرآني مع أنه إليه استند والصحابة الذين نازعوه لم يسكتوا ويرضوا حتى أدلى لهم بحجته الناصعة من كتاب الله؟
واليك أسوق حجته التي قالها لمخالفيه كما أوردها أبو يوسف قال: قال عمر رضي الله عنه: إني قد وجدت حجة، قال الله تعالى في كتابه: (وما أفاء الله على رسوله منهم، فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب، ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء