كيسرسك بحيث كان النصر في بادئ الأمر للألمان، واشترك فيها بدبابته، وما كاد يدخل المعركة حتى قتل اثنان من رجاله. ثم اشتعلت النار في الدبابة. أما السائق (تشفيلوف) فقد تمكن من مغادرة الدبابة المشتعلة، وسحب الملازم الذي كانت ثيابه تحترق وهو مغمى عليه وأخيرا انفجرت الدبابة وتناثرت قطعا إلى مسافة تزيد على ١٥٠ قدما وأقبل تشفيلوف على الملازم ليطفئ النار المشتعلة في ثيابه وجره إلى مكان أمين. ويقول تشيفيلوف (إنما فعلت ذلك لأني شعرت أن فؤاده ما زال ينبض بالحياة) عاش إيجور دريموف حتى ولم يخسر بصره لكن تشوه وجهه جدا حتى أن العظم ظهر في بعض الأماكن، وبقى في المستشفى ثمانية أشهر، وأجريت له عدة عمليات متوالية لإعادة أنفه وشفاهه، وأجفانه وأذنيه. وعندما نزعت عنه الأربطة بعد الشهور الثمانية، وكانت معالم وجهه قد تغيرت تماما حتى لم يعد فيه شبه للصورة التي كان عليها قبلا. ولما ناولته الممرضة المرآة ليرى وجهه أدارت وجهها بسرعة كي لا يلاحظ الدموع في عينيها من شدة تأثرها بمنظر وجهه. وأعاد إليها المرآة قائلا (كان من الممكن أن تكون المصيبة أكثر مما هي الآن، على كل حال يكفي أني بقيت حيا) ولم يطلب المرآة مرة أخرى، بل اكتفى بلمس وجهه الجديد كأنه يعود نفسه أن تألفه. وسرح من الخدمة العسكرية بناء على تقرير طبي. لكنه ذهب إلى قائده ورجاه أن يسمح له بالالتحاق بفرقته ثانية. ودارت هذه المحادثة بينهما.
(لكنك أصبحت غير قادر على الخدمة)(لا يا سيدي بل لقد أصبحت مخلوقا غريب المنظر ولا أرى كيف يجعلني ذلك غير صالح للقتال) ولاحظ أن القائد كان يتجنب النظر إليه أثناء الحديث، فابتسم بشفتيه الاصطناعيتين الرقيقتين. أعيد إلحاقه وأعطي أجازة مدتها ثلاثة أسابيع، فذهب ليقضيها في البيت، وكان ذلك في الأول من آذار. ولدى وصوله اقترب محطة من قريته، حدثته نفسه أن يستأجر عربة تقله إلى البيت لكنه عاد فقرر أن يقطع المسافة وهي اثنا عشر ميلا مشيا.
كان الثلج كثيفا والهواء الرطب يهب باردا جدا، فيتخلل أطراف معطفه محدثا صوتا كله حنين إلى البيت، ووصل القرية عند الغروب.
رأى وطنه الصغير بخير والطيور على الأشجار تغرد؛ أمامه الآن بضعة بيوت، والبيت السادس يسكنه أبواه. اقترب من البيت ووقف عند الباب لا يجرؤ على الدخول ثم ذهب