أيريدونه عالماً لا فرق بين حي وحي، ولا بين شيء وشيء، ولا بين موجود وموجود؟
إذن هم يريدونه عالماً لا أشياء فيه ولا أحياء فيه ولا موجودات فيه.
لأن الشيء لا يسمى شيئاً إلا إذا كان مخالفاً لشيء آخر في جوهره أو صفاته. فإذا بطل الاختلاف بين الأشياء بطل قوام الأحياء والموجودات.
فهل يرى المعترضون أنهم هربوا من مسالة القضاء والقدر إلى مسألة يقبلها العقل وترتضيها النفس ويتصورها الخيال؟
وأي الصورتين بعد هذا أقرب إلى عقول المفكرين: عالم فيه اختلاف في التقدير واختلاف في الأقدار؟ أو عالم لا توجد فيه الأشياء ولا توجد فيه الأحياء!
فمسألة القضاء والقدر على هذا أقرب إلى الفهم من كل مسالة تخطر على بال مفكر في هذا الموضوع.
وإذا كانت هي الوجه الذي يقبله العقل فالناحية المجهولة منه ينبغي أن تقاس على الناحية المعلومة. فيطمئن الفكر إلى موافقتها له ومطابقتها لدواعي الإيمان.
أما هذه الناحية المجهولة فهي ناحية التوفيق بين العدل الإلهي واختلاف الجزاء على الأعمال.
فإذا وجب أن تختلف الأشياء ويختلف الأحياء ويختلف الجزاء، فقد وجب أن يكون الجزاء غير مناقض للعقل في نهاية المطاف. . . ونهاية المطاف هذه هي التي يجهلها الإنسان، ويقيسها على ما يعلم فتسري إليه الطمأنينة في هذا القياس الصحيح.
ويتحدث الأديب صاحب الخطاب عن صديق له يسخر من تبلبل خاطره في هذه المسالة فيقول (أنه أبرز لي آراء في هذه المسالة وقال إنها آراء أهل السنة وأخرى قال إنها آراء المعتزلة). . . ولا يدري أيهما أحق بالاتباع.
ولا فائدة من الإطالة في تفصيل هذه الآراء أو تلك الآراء. ولكن كاتب الخطاب خليق أن يوقن أن آراء المعتزلة تؤدي إلى تبلبل في الخواطر يعود على صاحبه بسخرية أمر وأنكى. لأنهم يحلون المشكلة بمشكلات ويخرجون من تيه إلى أتياه. ويقولون إن الإنسان ينبغي أن يكون حراً لأن الله يحاسبه، وإن الله لا يحاسب إلا لأنه حر في عمله واختياره٠
فهم لا يقررون أن الإنسان حر في عمله واختياره بدليل من الواقع، بل بفرض من