وجهه ملاحة ورقة، يبتسم عن أسنان جميلة دقيقة، ويزين رأسه شعر مسبل ناعم، ولكنه كان على الرغم من ذلك خجولاً كصاحبه إذا لقي الناس، بل لعله كان أشد منه خجلاً وأكثر حساسية. . .
وقد حبب هذا الفتى إلى تولستوي إخلاصه لما يعتقد من رأي وتحمسه له وصراحته في التعبير عما في نفسه مهما يكن من أمره، وقد سأل ديا كوف ذات مرة - وهذا هو اسمه - صاحبه تولستوي قائلا أتدري لماذا أحبك أكثر مما أحب غيرك؟ ذلك لأنك صريح لا تكتم شيئا في نفسك، وهكذا يجتمع الفتيان على الصراحة فتربط بينهما، وإنهما ليتقاربان في كثير من ميولهما، ويتضح لهما ذلك فيما يديرانه بينهما من حوار في أمور كثيرة، فيما يتصل بالدين وفيما يتصل بالمجتمع وأركانه من حكومة وتعليم ونظم مالية وما إليها.
ولقد كان هذا الفتى شديد التأثير في حياة صاحبه فما فرغ من محاورته مرة إلا قويت في نفسه الرغبة في العمل على الكمال المنشود، والانطلاق من حياه اللهو والعبث، تلك الحياة التي يذهب فيها العمر سدى، ولئن لم يك لتولستوي ما لصاحبه من حسن الهيئة فليس ذلك بمانعه أن يعمل على كسب ما يحمل الناس على الإعجاب به مما هو أهم وأجدى من المنظر وحسن الطلعة، بل إنه لحافزه إلى ذلك العمل الذي يعقد عليه عزمه.
على أنه عزم كأكثر مما يعتزم الشباب فما يلبث أن يذهب فيما تحيطه به الحياة من مسراتها ومغرياتها، ولكم اضطرب تولستوي بين عزمه وبين لهوه، ولكم جدد العزم ثم تحلل من عزمه.
وكان ديا كوف هو شخصية ديمتري في كتابه (عهد اليفاعة) فما يفوت كاتب الغد أن يصور أشخاصه كما رآهم في مضطرب الحياة، ولن ينسى شيئاً مما رأى أو يسهو عن أمر يتصل بما يقوم في رأسه من فكرة مهما بلغ من ضآلة هذا الأمر، وتلك ناحية من أهم نواحي مقدرته الفنية يوم يغدو أعظم من كتب القصة في أدب قومه وأحد أفذاذها القلائل في أدب أوربا كلها. .
وستمضي الاعوام ويبقى أثر ديا كوف في نفسه، فقد كان مما أوحته إليه صحبته عبادة الفضيلة، وأن غاية الإنسان في الحياة العمل على بلوغ الكمال والسمو بالنفس أبداً، وسوف يظهر أثر ديا كوف في قصة الحرب والسلم فيما جاء على لسان (أندري) أحد شخصيات