للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ذهنه الجبار بالفن وبالدين وبمسائل الاجتماع، ويوم يبحث حائراً قانطاً أول الأمر عن الغرض من هذه الحياة، حتى تنزل الكنيسة عليه إذ يرى أن الغرض من الحياة يتلخص في العمل على السمو بها نحو ما يريد الله من كمال.

وإن تحمسه للمعرفة على هذه الصورة واهتمامه بان يبلغ ما يطمح إليه من رفعة لدليل لا يدع مجالاً للريب على أنه فطر على البحث عن الحقيقة وأنه من العباقرة القلائل الذين تفطن بهم الإنسانية إلى سر وجودها، والذين يأتون إلى العالم على فترات من الزمن ليقيموا الدليل بوجودهم في ذاته على أن حياة الإنسان جديرة بأن يحياها الإنسان.

وإنك لتجد مثالا لما كان يعنى به نفسه يومئذ فيما جاء بكتابه (عهد اليفاعة) قال:

(كنت يومئذ في نحو السادسة عشرة، وكان العرفاء لا يزالون يترددون علي، وكنت أتهيأ في فتور وكره لألتحق بالجامعة. . . وفي ذلك الوقت الذي أعده نهاية اليفاعة وبدء الشباب، كانت تقوم أحلامي على مشاعر أربعة: أولها حبي (لها) تلك المرأة الخيالية التي كنت أحلم بها دائماً على وتيرة واحدة والتي كنت أتوقع أن ألقاها في أية لحظة في أي مكان ما؛ وثانيها محبتي في أن أغدو محبوباً، فقد رغبت في أن يعرفني كافة الناس وأن يحبوني، ورغبت في أن أصرح باسمي فأجد من الناس جميعاً ما يدل على اهتمامهم بما أصرح به وأراهم يحيطون بي فيسمعوني شكرهم إياي على أمر ما؛ وثالثهما أملي في حظ عظيم غير عادي، وقد بلغ من تسلط هذا الأمل علي أن أشرف بي على الجنون، ورابع مشاعري وهو أهمها كان إحساسي باشمئزازي من نفسي واستشعاري الندم، ولكنه كان ندماً ممتزجاً بالأمل في السعادة ولذلك لم يخالطه الحزن. . . ولقد أحسست السرور في نفوري من الماضي وحاولت أن أجعله أكثر اسوداداً مما كان عليه في واقع الأمر. وذلك أنه كلما كانت ذكرياتي عن الماضي أكثر سواداً، ظهر لي الحاضر الناصع الواضح أكثر وضاءة ووضوحاً، وتراءت لقلبي أحلام المستقبل أكثر جمالا وبهجة، ولقد كان ذلك الصوت المنبعث في نفسي صوت الندم والرغبة القوية الحادة في بلوغ الكمال هو الإحساس الرئيسي لروحي في تلك الحقبة من نموي، وكان هو الذي رسم لي أساس نظراتي في نفسي وفي البشرية وفيما خلق الله من كون).

وكان له يومئذ صديق في قازان، كان فتى طويل القامة، عريض المنكبين حسن الهيئة، في

<<  <  ج:
ص:  >  >>