ولهوه، ثم إنه يطلق العنان لرغبات جسده، وهو فتى قوي البدن متدفق الحيوية يكاد يلتهب مم يخالجه من رغبات هذا البدن على الرغم من إسرافه فيما يطفئ به هذا الظمأ المتصل به؛ وما يزال به شيطانه يغريه ويزين له كثيراً من الإثم، ويسوقه إلى مهاوي الفتنة حتى يوقع في حبائله فتاة من الخدم ذات ملاحة فيغويها ويقضى منها وطره! ويبلغ نبأ هذا الإثم عمته فتطرد الفتاه من البيت إلى حيث تتلقاها مهاوي الرذيلة ثم يطويها الموت قبل أوانه على صورة محزنة نكراء. . .
وما يعنينا هذا الفعل إلا لأنه استقر في أعماق وجدانه. فكان منه حين تجاوز السبعين من عمره صورة فذة لأهم شخصية في قصة تعد من أعظم آثاره الفنية وأخلدها ألا وهي قصة (البعث)
ويضطرب الفتى اضطراباً شديداً بين وساوس الشباب، فما يكاد يخالجه الندم على ما يعده تفريطاً منه في جنب الفضيلة، حتى يستسلم ثانية إلى الرذيلة، ثم يعود فيجمع عزمه على الورع والطهر والعفة وعلى أن يأخذ نفسه بالجد من الأمور، ولكنه لا يلبث حتى ينقاد إلى ما يوسوس له به شيطانه.
وهكذا ما يزال الفتى يتعلق بالكمال مرة، وينحدر حتى يقرب من قرارة الانحطاط مرة، ويرضى عن نفسه حيناً ويجثم على صدره الندم حيناً، دون أن يستقر على وضع أو يركن إلى رأي. . .
وللمرء أن يعجب حقاً من أن تشغل الفتى مثل هاتيك الأمور في سن كسنه يومئذ؛ ولقد كان بعد ذلك بسنين يشعر بما عسى أن تثير من عجب، بل إنه كان يخشى ألا يصدقها المرء أو أن يردها إلى المبالغة في القول كما ذكر ذلك في كتابه (عهد اليفاعة). فما كان التفكير المتصل في الحياة والناس، وما كانت الرغبة في بلوغ الكمال وتلمس السبيل إلى تحقيق تلك الرغبة مما يكافئ تلك السن، ولولا ذلك الوضع الذي كان فيه وهو حدث لم يلتحق بعد بجامعة من الجامعات، وحسب أنداده أن يقرأ الفتى منهم قصة أو يلهو بديوان شعر. . .
ولكنه كان فيما يشبه الحمى يومئذ مما يجول في رأسه من أفكار وما يهجس في نفسه من خواطر، وما يلج تلك النفس الحائرة من رغبة في السمو ومن طموح نحو المثل الأعلى، وإن تولستوي الفتى اليوم لهو صورة مصغرة لتولستوي الكاتب العظيم في غد، يوم يشتغل