للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أثناء صيده ثم يمج الديدان من فمه بين الضحك والتقزز.

ولا يلبث الفتى حتى يجد نفسه قد أخذه التشاؤم من جميع أقطاره، ثم يجد نفسه مستغرقاً في هذا التشاؤم استغراقاً، فلا فكاك له منه ولا منتدح عنه. تجد ذلك واضحاً في عبارة جاءت له في كتابه (عهد اليفاعة)، ولئن كان هذا الكتاب كسابقه (عهد الطفولة) وكلاحقه (عهد الشباب) لم يكتب على أنه تاريخ حياته فأن أكثر ما جاء فيه من وصف لشخصيات خلقها وأكثر ما جاء على ألسنه هذه الشخصيات يدر حول حياته ومن كان له بهم في هذه العهود صلة. قال (لم تشتد نزعة فلسفية في نفسي كما اشتدت نزعة التشاؤم، تلك النزعة التي أشرفت بي ذات مرة على حافة الخبل فقد تخيلت أنه ما من شيء أو شخص هو قائم في هذا الوجود بجانب شخصي؛ وأن الأشياء جميعاً ليست أشياء فقط، ولكنها صور فحسب لا تظهر إلا عندما أتجه بفكري إليها، وإنها لتختفي حين ينتهي تفكيري فيها؛ وقصارى القول أني وافقت شلنج فيما ذهب إليه من أن الأشياء لا وجود لها في ذاتها وإنما الموجود هو علاقتي بها؛ ومرت بي لحظات وصلت فيها تحت تأثير هذه الفكرة المتسلطة علي إلى حالة من الخبل حتى لألتفت في سرعة حولي كي أدرك اللا شيء. . . لقد ازدهتني هذه الكشوف الفلسفية التي بلغتها وأثارت غروري إلى حد عظيم، وكثيراً ما تخيلت أني رجل عظيم يكشف حقائق لخير بني الإنسان، وبهذا الشعور الذي انطوت عليه نفسي، شعور الكبرياء نظرت إلى باقي البشر، ولكني ما واجهت أحداً من هؤلاء الفانين إلا أحسست بالخجل حياله، الأمر الذي يحمل على كثير من العجب، وكلما رفعت قدري نفسي شعرت أني أقل مقدرة لا على إظهار ما يخالجني من شعور الرفعة فحسب، بل كذلك على أن أعود نفسي أن أتجنب الخجل الذي يعتريني من أبسط كلماتي وحركاتي).

وتتوزع فؤاده هواجس الشباب وأحلامه، فبينما هو مستغرق في تشاؤمه مسرف فيه، إذا به يميل بغتة إلى التفاؤل فيجمع عزمه على أن يجد في تحصيل دروسه وأن يكون خير مثال للطالب المجتهد، ويذهب به التفاؤل إلى حد أن يعتزم العمل على أن يكون موضع إعجاب كل من يراه من الناس فإن لم يتفق له هذا في نواحي الكفاية والبطولة، فليس ذلك بمانعه أن يبلغ مأربه في أن يصبح أغنى بني الدنيا وأشهرهم مكانة.

ولكنه لا تكاد تنقضي أيام على ما عقد عليه العزم حتى يعود إلى تشاؤمه والى بطالته

<<  <  ج:
ص:  >  >>