للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ابن أبي الحديد: غن معرفة الفصيح والأفصح، والرشيق والأرشق والحلو والاحلى والعالي والأعلى من الكلام - أمر لا يدرك إلا بالذوق، ولا يمكن إقامة الدلالة المنطقية عليه، وهو بمنزلة جاريتين إحداهما بيضاء، مشربة حمرة، دقيقة الشفتين، نقية الثغر، كحلاء العينين، أسيلة الخد، دقيقه الأنف، معتدلة القامة. والأخرى دونها من هذه الصفات، والمحاسن لكنها أحلى في العيون والقلوب منها وأليق وأصلح، ولا يدري لأي سبب كان ذلك. ولكنه بالذوق والمشاهدة يعرف، ولا يمكن تعليله. وهكذا الكلام، نعم يبقى الفرق بين الموضعين أن حسن الوجوه وملاحتها وتفضيل بعض على بعض يدركه كل من له عين صحيحة وأما الكلام فلا يعرفه إلا أهل الذوق، وليس كل من اشتغل بالنحو واللغة أو بالفقه كان من أهل الذوق، وممن يصلح لانتقاد الكلام، وإنما أهل الذوق هم الذين اشتغلوا بعلم البيان، وراضوا أنفسهم بالرسائل والخطب والكتابة والشعر، وصارت لهم بذلك دربة وملكة تامة، فإلى أولئك ينبغي أن ترجع في معرفة الكلام وفضل بعضه على بعض إن كنت عادماً لذلك من نفسك.

٨٨٠ - يا ظبية البان ترعى في خمائله

في (الغيث الذي انسجم في شرح لامية العجم) للصفدي:

(ما من شاعر في الغالب إلا وقد عارض الشريف الرضي في قصيدته التي أولها:

يا ظبية البان ترعى في خمائله ... ليهنك اليوم إن القلب مرعاك

وما منهم من رزق سعادته).

قلت: هذه أبيات منها، قال بعد المطلع:

الماء عندك مبذول لشاربه ... وليس يرويك إلا مدمع الباكي

هبت لنا من رياح الغور رائحة ... بعد الرقاد عرفناها برياك

حكت لحاظك ما في الريم من ملح ... يوم اللقاء فكان الفضل للحاكي

كأن طرفك يوم الجزع يخبرنا ... بما طوى عنك من أسماء قتلاك

أنت النعيم لقلبي والعذاب له ... فما أمرّك في قلبي وأحلاك

سهم أصاب وراميه بذي سلم ... من بالعراق لقد أبعدت مرماك

عندي رسائل شوق لست أذكرها ... لولا الرقيب لقد بلغتها فاك

<<  <  ج:
ص:  >  >>