آمنت الروح على ضفاف الوادي بأنها ستنال حريتها وكرامتها، وكان من طبيعة هذا الإيمان أن تتجاوب أنغام التضحية والفداء فأخذت القلوب تتلاقى في الشمال والجنوب مؤمنة برسالة الحرية والإخاء داعية لأنغام الجهاد، فسالت الدماء الطاهرة على قرى الوادي مؤذنة بميلاد الفجر الجديد، وارتفعت الحناجر منادية بالثورة في شباب الجامعة في الشمال وفي أروقة العلم في الجنوب ولفظ الشهداء أنفاسهم الأخيرة وهم ينادون بالاستقلال للوادي الكريم، فأذن المؤذن بميلاد الفجر الجديد.
نعم، قد أراد الوادي اليوم أن يكون خالصاً لبنيه، وإذا أرادت الأمم شيئاً فهي واصلة إلى ما تريد. فالروح إذن إنما تعبر تعبيراً صادقاً عن أحاسيس أبناء الوادي ومشاعرهم وتترجم عن مواطن القوة والكمال فيهم:
إذا الشعب يوما أراد الحياة ... فلا بد أن يستجيب القدر
ولابد لليل أن ينجلي ... ولا بد للقيد أن ينكسر
ذلك لأن إرادة الحياة - كما يقول الشابي - إنما تخلق بالأمم القوية الشاعرة التي تؤمن برسالتها في الحياة وفي حقها في الوجود.
يا إخوان الطفولة ويا حماة العرين! انظروا إلى الأسد البريطاني يفغر فاه ليلتهم القوى المذخورة في النفس. فلنكن يقظين، فالإنجليز معكم يا إخوان يسيطرون على كل شبر في الجنوب، وينبشون بينكم في كل مكان، ويصرفون الأمور بعددهم العديد الجم، فكونوا يقظين حريصين ناظرين، واعلموا أن جهادهم في الحرب قد استنفد منهم كل ما يملكون وفي الجنوب عوض للجهود التي بذلت وللنفوس التي حطمت وللأرواح التي حاق بها الخسران. . .
هل تؤمنون اليوم بان الإنجليز يؤيدون حركة الانفصال ويرعونها لأن فيها خير البلاد ورفاهيتها وتقدمها، وهل يقوم حاكم السودان بجولاته في الغرب والشرق، شارحاً قصة الحكم الذاتي، متحدثا ًعن أسطورة الاستقلال، داعياً إلى مذهبه الجديد، هل يصدق أولئك وغيرهم بأن الحاكم الإنجليزي يفعل ذلك لخير السودان أم لخير الإمبراطورية!؟
نحن مؤمنون يا صحاب بأن موسيقى الحياة تسير على أنغام عذاب، ونحن مؤمنون بأن