تاريخها للوصول إلى العزة والكرامة والاستقلال، فالإيمان والمثابرة شرطان ضروريان للروح في سبيل تلمس مثلها العليا الكريمة، والغاية قريبة - مهما بعدت الشقة - إذا دعمتها إرادة قوية وإيمان مطلق.
كانت الروح التي نادى بها جمال الدين الأفغاني مشتعلة وهاجة، إذ لبث في مصر سنوات يتصل بالطلبة من كل أرجاء العالم الإسلامي ويبث تعاليمه ومبادئه فتجد الاستجابة المؤمنة في نفوس أبناء الأزهر بشكل لم يعهد له مثيل في العصور الحديثة وأخذ الإمام محمد عبده يعيد للفكر قدسيته وللدين مكانته من حيث النظر العقلي السديد مما يذكر الباحثين بابن رشد حينما أراد أن يؤاخي بين الشريعة والحقيقة، ومن هنا كان لهذه الحركة صدى بعيد في الجنوب فارتبط الجهاد على الإصلاح والإيمان كما يرتبط اليوم على الجلاء والوحدة، وكان ذلك النشاط المرموق يستمد قوته وبقائه من الحركة العرابية في الشمال ومن حركة المهدي في الجنوب، وعلى هذا فقد تلاقت الأكف والقلوب والحناجر بالدعاء والتضحية والإباء. . . .
أما اليوم - في حياتنا المعاصرة الرشيدة - فقد أخذت الروح في الشمال تعبر تعبيراً صادقاً عن إيمانها بالجنوب، وأخذ الأديب السياسي الفنان هيكل باشا يصوغ هذا التعبير إذ قال:(إن مصر لم ترد في يوم من الأيام سيطرة على السودان ولا تسلطاً على أهله ولا استغلالا لموارده، ولكنا ونحن نعيش في واد واحد تتحد فيه مرافقنا واقتصادياتنا ومقوماتنا جميعاً لا يستطيع أحدنا أن يستغني عن صاحبه في الشمال أو في الجنوب، كما أن أهل لغرب طالما كرروا ويكررون أن الأمم الصغيرة خاصة لا يمكن أن تعيش وحدها بل يجب أن تتكتل لتصبح قوية قادرة على التعاون، والأمم لا تتكتل إلا إذا تجاورت، وليس هناك تجاور أقرب من تجاور السودانيين والمصريين).
وأخذت الروح في الجنوب تعبر تعبيراً صادقا عن إيمانها بالشمال وتجعل هذا التعبير في القوى المدخورة التي ادخرتها الأمة لوفدها الأمين، وفي هذه الآثار القوية المتجلية في وجود الشعب ومشاعره وأحاسيسه وفي الأفكار التي يبعث بها الجنوب على صفحات الصحف المحلية والخارجية وفي الوثيقة الدموية التي خطها الشباب بقلبه وروحه ودمه، وفي كل ما يحدث من ثورات ويسيل من دماء تعبر عن هذا الإيمان وتكشف عن طبيعة