يشتغل المجمع اللغوي الآن بإنجاز المعجم اللغوي التاريخي الذي وضعه المستشرق الألماني المعروف الدكتور فيشر، وقد قدر المبلغ اللازم لطبع هذا المعجم وإخراجه بألف وخمسمائة جنيه، وإنه في الواقع لمبلغ ضئيل بالنسبة لقيمة ذلك المعجم النافع الذي ليس له مثيل في اللغة العربية.
أقول لا مثيل له في العربية لأنه ليس لدينا معجم لغوي يشرح تطور الكلمات العربية في دلالاتها ومعانيها وما جرى في استعمالاتها المختلفة على نحو ما يعني به علماء فقه اللغة، وقد حاول جار الله الزمخشري في معجمه (الأساس) وضعاً قريباً من هذا ولكنه جعل قصده إلى إظهار تطور الألفاظ وانتقالها من الاستعمال الحقيقي إلى الاستعمال المجازي. وفي العصر الحديث عمد المستشرق فيشر إلى سد هذه الثلمة في القواميس العربية ولما لم تكن هناك مصادر تعينه في قصده جعل كل اعتماده على مراجعة النصوص العربية، ومعنى هذا أن التراث العربي كله كان مصدر بحثه، ولقد اضطلع الرجل بهذه المهمة الشاقة في صبر العلماء وأناتهم حتى استطاع أن يحرر في ذلك آلاف الجذاذات لتكون مادة القاموس إذا ما رتبت.
وعندما اختير هذا المستشرق عضواً في المجمع اللغوي بمصر تقدم إلى المجمع بفكرته وعمله في هذا القاموس فشهد المجمع بأنها فكرة رشيدة وعمل جليل وأخذ الأهبة للعمل على إتمام هذا المعجم وإخراجه في الوقت قريب.
وكان أن قامت الحرب، وسافر فيشر إلى بلاده، وجاءت الأنباء بأنه قضى نحبه في إحدى الغارات، وطوى أمله وعمله في مطاوي النسيان، إذ لم يكن (ضمير) السياسة يسمح بأن يظهر هذا العمل لذلك العالم الذي ينتسب إلى بني الألمان مهما كان عمله خالصاً للعلم. ثم انتهت الحرب، وظهر أن فيشر لا يزال حياً والحمد لله، وأن أحداث الحرب الرهيبة لم تنسه الرغبة في إتمام عمله بإخراج ذلك المعجم الذي وقف عليه العمر، وعلى هذا عاد المجمع يهتم بإظهار هذا الأثر النافع المفيد، وكل ما نرجو أن لا يبدو ما يدعو إلى التطويح به والتسويف فيه.