حدث في الأيام التي خلت وطوتها صفحات الدهر منذ القدم. . . أن كان ثمة رجل رضي النفس طيب القلب جليل الشأن عظيم القدر. . . أقبلت عليه الدنيا وأتاحت له وفراً من ماله فملك الضياع والديار. . . وراح يعيش في ثراء ورغد، ومن حوله جمع من العبيد يقومون على خدمته ويتولون قضاء حاجته. وقد بثهم سيدهم من الود وأخلص لهم من العطف ما جعل أفئدتهم تخفق بحبه وألسنتهم تلهج بحمده.!
وراحوا يتيهون بسيدهم فخراً وزهواً، يغبطون أنفسهم على هذا الفضل وهذه النعمة ويعربون لجيرتهم عن مبلغ هناءتهم قائلين:
(لم تطلع الشمس على من يضاهي سيدنا في طيبته ورقة عاطفته. . . فهو يطعمنا إذا ما أدركنا الجوع، ويخلع علينا من الثياب كل طريف ومن الأبراد كل جميل، ويهيئ لنا أعمالا تتفق ومقدرتنا وقوتنا. . . وما تلفظت شفتاه يوماً بكلمة سوء يرمينا بها ولا بيت لنا حقداً ولا ضغناً. . . فما هو كالسادة الآخرين الذين يذيقون عبيدهم هول العذاب ويقسون في عقابهم سواء أحق عليهم أم لم يحق.! ولا يحنون عليهم بكلمه عطف ولا يواسونهم إذا ما مسّهم الضر. . . أما سيدنا فقد وهبه الله قلباً يتمنى لنا الخير ونفساً ترجو لنا السعادة. . . نحن لا نأمل في حياة أهنأ ولا أرغد من هذه.!).
فضاق الشيطان ذرعاً بذلك الحب والود الذي يكنه العبيد لسيدهم، فعمد إلى واحد منهم يدعى (ألب) فسخره ليوغر صدورهم ويشيع بينهم الفتنة والعصيان ويسرب إليهم الفساد. . .
وبينما هم جلوس ذات يوم يتناقلون حديث العطف والكرم الذي يسبغه عليهم سيدهم ويحوطهم بفضله. . . رفع (ألب) صوته قائلا في خبث ودهاء: (إن من الغباء والحمق أن نغرق سيدنا بهذا الحمد ونحيطه بتلك الهالة من المديح. . . وهو لا يستحقها. فالشيطان قدير وكفيل بأن يكون كيساً رقيق الحاشية معكم إذا ما أديتم له كل ما يروم!. فنحن نخدم سيدنا في وفاء وإخلاص ونحقق له كل ما يساور نفسه ويراود فؤاده من بغيات. . . فما الذي يسعه سوى أن يكون رحيماً كريماً معنا؟!. دعونا نحاول أن ندفع إليه ضرراً ما ثم ننظر ما يكون من جلية أمره. . . وإني لعلى يقين من أنه لا يفضل أقرانه السادة. فلسوف