للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أيديهم، وعدوه لذلك مذنباً، وكان عقاب المذنبين عندهم إهمال تعليمهم الفنون العسكرية وتشغيلهم في السكك الحديدية وما أشبهها من الأعمال الشاقة، فكان المترجم يشتغل بهذه الأعمال بهمة زائدة تأديباً لنفسه، لأنه ظن ما وقع له عقاباً على جراءته على مشايخه، وكان سعيد باشا يلقب المطيعين من الجند بالفراعنة، والعاصين المذنبين بالنماردة، فغضب مرة على النماردة وأمر بطردهم من الجيش، فخرجوا منه إلا أنهم بقوا تابعين له، وهم ما كانوا يسمونهم بالعساكر الأمدادية، وخرج المترجم معهم، فأقام بقريته مدة، وكان قبل ذلك يجتمع على الشيخ خالد أحد مشايخ الطريق فرأى أن يسافر إليه فسافر إلى بلدته المسماة بالسريرية من أعمال المنية أي منية ابن الخصيب ولزمه بعض أشهر عكف فيها على الاشتغال بالعلم والطريق.

فراره

ثم طلب إلى الجندية مرة ثانية فذهب إليه أبوه ليحضره وأراد الشيخ خالد منعه فلم يرض هو بل عاد مع أبيه إلى قريته فوجدهم أهملوا طلبه، فحمد الله وأراد والده إبقاءه معه في القرية خوفاً من أن يعود إلى الصعيد، فضاق المترجم بهذا الأمر وخرج من غير علم أبيه من القرية وهو لا يملك شيئاً، فمشى على قدميه يبيت في كل بلدة تصادفه حتى وصل إلى القاهرة، ودخلها من جهة باب الحديد فاشترى بما معه شيئاً أكله، وذهب إلى الأزهر فصادف الشيخ محمد السقاري في طريقه، فلما رأى المترجم أسرع إليه وهش له، وأخبره أنه يطلبه من مدة. ثم أنزله بداره وحلف أن يبقى بها شهراً لا يتكلف شيئاً من عنده، وكان مراد السقاري نظم قصيدة يمدح بها أحد الأمراء، فنظمها له وأخذ عليها أربعين ديناراً جائزة. ولما انقضى الشهر حفّ الله المترجم بعنايته، فطلبه الشيخ حسن العدوي لتصحيح البخاري، وكان شرع في طبعه فانتفع بأجر التصحيح. ثم طلب إلى ديوان الجهادية لتصحيح ما يطبع به، فقابل هناك احمد عبيد بك رئيس الترجمة، وامتحنه فأعجب به، وكاد يطير فرحاً وقال هذا جوهرة خفيت عنا، واستخدمه في الحال للتصحيح بهذا الديوان، وسعى له حتى محوا اسمه من الجيش حتى لا يعاد طلبه.

ثقافة شاملة

<<  <  ج:
ص:  >  >>