وكان المترجم في هذه المدة عاد لطلب العلم والاشتغال به، مع القيام بالتصحيح بالديوان، حتى شهد له شيوخه بالتأهل للتدريس فدرّس بالأزهر، وكان أول درس قرأه في شوال سنة ١٢٨٣. وابتدأ فيه بالقراءة في الأزهرية. ولم يقتصر رحمه الله على العلوم المتداولة بالأزهر، بل بحث ونقب، واجتمع بالشيخ محمد أكرم الأفغاني فتلقى عنه العلوم الحكمية، وبرع فيها، وتلقى عن تلميذه خلاصة الحساب لبهاء الدين العاملي، ونظر في الهندسة والجبر وسائر العلوم الرياضية، وقرأ التاريخ قراءة إمعان وتدبر، وطالع كتب اللغة والأدب، ونظم الشعر السهل، وكتب الترسل البديع، وكان لا يسمع عن أحد يعرف علماً إلا ويسعى إليه، ويتلقاه عنه كائناً من كان، حتى صار نسيج وحده، وقريع دهره، في سائر العلوم مع بعد النظر في السياسة، وسعة العقل، وسلامة العقيدة، وشدة الإنكار على البدع والمستحدثات في الدين.
مشاهير تلاميذه
وقد قرأ عليه في الأزهر كثيرون من علمائه المشهورين، فكان الشيخ الأجل احمد أبو خطوة، والشيخ محمد عبده، والسيد احمد الشريف، وإبراهيم بك اللقاني، والشيخ محمد راضي البوليني، ممن قرأ عليه في الطبقة الأولى من تلاميذه. ثم قرأت عليه طبقة ثانية منها الشيخ عبد الرحمن فوده، والشيخ محمد الغريني، والشيخ عبد الرحمن قرّاعه، وقرأ عليه أيضاً الشيخ محمد بخيت، والشيخ داغر، والشيخ محمد المغربي، والشيخ احمد الزرقاني، وغيرهم ممن لا يحصون، واختص به الشيخ احمد أبو خطوة، والشيخ راضي البوليني، والشيخ عبد الرحمن فوده، والشيخ عبد الرحمن قراعه، فكانوا يقرأون عليه في داره دروساً غير الدروس الأزهرية، وصحبوه ولازموه فانتفعوا به في دينهم وأخلاقهم فوق انتفاعهم بعلمه.
ثم نقل إلى نظارة المعارف وعيّن للتفتيش فيها، ولما مات الشيخ زين المرصفي مفتشها الأول سنة ١٣٠٠، وأقيم بدله الشيخ حمزة فتح الله المفتش الثاني جعل المترجم مفتشاً ثانياً. ثم نقل مدرساً بمدرسة دار العلوم، فعم الانتفاع به، وتخرج عليه أحسن من نراهم الآن من الأساتذة المتخرجين في هذه المدرسة كالشيخ الفاضل حسن منصور، والشيخ محمد المهدي،