للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وأنا أتعجب أحياناً: لماذا لا تتعاون الدول العربية جميعاً الدول الشرقية الخاضعة للإستعمار، فتهب هبة رجل واحد، وتقاطع هذه الدول الباغية، وتقول لها: إني لن أتعاون حتى أنال كل حقوقي كاملة غير منقوصة! وهذا شيء ليس بغريب بعد قيام هيئة الأمم المتحدة التي يزعمون أنها أنشئت للمحافظة على سلام العالم، والتي تنقض مبادئها كل حجة تقال في مسألة مخافة العدوان على هذه الأمم بعد خروج الجيوش المحتلة من اراضيها، ولو فعلنا ذلك، وأبينا أن نلقي السلم حتى تحل هذه القضايا الكثيرة التي عقدتها بريطانيا وأشياعها من الدول المستعمرة، لكان قريباً أن ننال كل ما نريد، ولكان ذلك معواناً للشعوب العربية والشرقية على الشعور بقوتها وعزتها واجتماع كلمتها، ولكان ذلك وقاء لنا من أن نكون كما نحن الآن: خداع يراد بمصر، وخداع يراد بالسودان، وخداع يراد بالمغرب، وخداع يراد بالهند وما جاورها.

إنه ليس عجيباً. بل الدلائل على صدقه وعلى صلاحه ما رأينا من نتائجه بعد قيام الجامعة العربية التي لا تزال في أول نشأتها. فالجامعة العربية على قلة وسائلها وقلة تجربتها، قد جعلت العالم الغربي كله يتنبه إلى أن في الدنيا شيئاً من القوة لا ينفع في الخلاص منه سلاح فتاك ولا غطرسة حربية. فإذا اجتمعت الكلمة في الشرق كله، وهبت الأمم الشرقية كلها مرة واحدة لاستيقظ العالم كله على صوت هذه الضجة المدوية، ولطالبت الأمم الغربية نفسها بدراسة هذه المسائل المعقدة وفهمها على وجهها الصحيح، لا على الوجه الذي ظلت بريطانيا وسواها من حكومات الاستعمار تعمل جهدها سنين مطاولة على تدليسه وبثه في صحافتها وكتبها وإذاعتها. فلا سبيل إلى رد هذه الأكاذيب جملة واحدة إلا بأن نشعر العالم جملة واحدة بما نريد فيتنبه ويستعد للمعرفة، ونكشف له عن الأكاذيب التي أذيعت عليه من قبل، ونفضح أساليب سياسية الاستعمار في تشويه الشعوب وقضايا الشعوب.

هذه رأي، وطريقة العمل له ميسرة وواضحة. وهو شيء كبير، ولكن صاحب الحق الذي يستهول الإقدام على بيان حقه بالأساليب التي ينبغي اتخاذها وإن عظمت، لن ينال شيئاً إلا العجز، وتراكم العجز بعد العجز، ثم ضياع حقه إلى الأبد.

ولقد بدأت مصر والسودان تخرج بقضيتها عن محيط المفاوضة إلى الاحتكام إلى الدول الممثلة في هيئة الأمم المتحدة، فينبغي على كل عربي وشرقي أن يحرضها على ركوب

<<  <  ج:
ص:  >  >>