على نفوس جماهير الرجال والنساء والأطفال ما ليس لقواد الاجتماع والسياسة والدين، وخاصة في هذا العصر الذي تلاحق فيه الإذاعة الفرد في كل مكان وتقتحم عليه حتى مخادع نومه.
وقديماً كانت (الأصوات) التي يغنيها المغنون العرب للخلفاء والسلاطين والجماهير من منتقي الشعر الرفيع، وكان الغناء بها من أسباب رواج الأدب الكريم.
وكان للبيت الواحد أو للأبيات التي يتغنى بها التأثير اللازم لمعانيها والنتائج الحتمية لدى سامعيها، حتى إن غناء أحد المغنين ببيتين في مجلس الرشيد كان الحافز المثير والنقطة المطففة التي طفحت بها كأس الرشيد فأنزل نكبته بالبرامكة.
ولو علمت أم كلثوم وعبد الوهاب وغيرهم بمدى سلطانهم على تربية الناشئين لخافوا الله في تلك النفوس الغضة التي تلاحقها أغانيهم من المهد.
وفي الموسيقى تستعرض قلوب الأمم، وقد استطاعت كل أمة أن تلقط توقيعات من طبيعة بيئتها التي تعيش فيها تطرب لها وترقص بها في ساعات الطفور والمرح والهيام في عالم الرؤى والأحلام، وتعرض فيها أفانين حياتها وأصداء الهواتف الطبيعية في آذانها وصور الدنيا الباطنة كما تراها في مرآتها الخفية.
فالقلب العربي أو المكسيكي أو الهندي أو الألماني أو الزنجي أو غيرهما يمكنك أن تعرف خلاصة اتجاهاته في الحياة حين تسمع ألحانه وأشواقه فيها.
وبودي أن يجتمع جوق عالمي عظيم من فنانين عالميين ليضع ألحاناً آخذة من جميع الأصداء والهواتف لتوجيه قلوب البشر ليدركوا السر الواحد الذي في قلوبهم جميعاً بدون ألفاظ.
وبودي كذلك أن أجمع الوجوه الإنسانية الكريمة من الأجناس المختلفة وتؤلف منها (هرموني) وتناسقاً بصرياً يرى عشاق التحف والطرف ما في العقد البشري المنظوم من جمال وثراء. . .
وبودي كذلك أن أقيم معرضا للطفولة الإنسانية البريئة الموحدة اللغة والإشارة والإدراك قبل أن تأخذها سبل أممها المتفرقة فتجعلها أباديد متناكرة كأنها فصائل أجناس متعادية متناقضة. . .