ما هو بسييل من هذا؛ ولذلك ألقى بنفسه في متع الحياة صالحها وفاسدها وأرخى العنان لشهواته ونزواته، حتى لينسى في تلك المسرات كل ما عني به نفسه من قبل من رغبة في الكمال. . .
والكمال عنده يوم ذاك أن يلبس أحسن الثياب وأجملها وأن يفتن في اختيار الألوان حتى يحمل الناس على الإعجاب بذوقه، ولعل عدم رضائه عن خلقته قد أدى به إلى كثير من الإسراف في هذا السبيل؛ ثم إنه يلعب الورق ويشرب الخمر في جماعات من لذاته؛ ويدخن الطباق في غليون جميل يحرص أن يكون ثمنه أغلى ثمن، ويتطيب ويمشط شعره ويدهنه بما يكسبه اللمعان، ويتكلم الفرنسية في أناقة متكلفة؛ وإنه ليشهد كل حفلة يقيمها أرستقراط المدينة وذلك بدعوة من أصحابها فما يفوت أحداً أن يدعوه وقد أمسى شخصية من شخصيات المجتمع، وإنه ليبذل قصارى جهده أن يلفت الأنظار إليه، ولكم يبهجه أن يتحقق له ما يريد وبخاصة إذا ظفر بنظرات الأوانس، ولكم يؤلمه ويكدر عليه عيشه أن يصادف من أحد عدم الاكتراث له أو الفتور في تحيته؛ وإنه ليندس بين كل جماعة فيتحدث ويعرض آراءه ويخالف ويعارض ليبرهن على أصالته وقوة شخصيته.
وإنه ليغشى دور اللهو جميعاً، فيتكلف أكثر ما يستطيع من مظهر أرستقراطي في حديثه وتحياته ومشيته وجلسته؛ ويدلي بآرائه فيما يشهد من تمثيل أو يسمع من موسيقى، ويأخذ بقسط من الرقص، وإن كان لا يحسنه كما يجب أن يحسنه.
وإنه ليحسب أكثر من مرة أنه نضو حب، فيخيل إليه تارة أنه أسير هوى لشقيقة صاحبه دياكوف، وتحدثه نفسه أنها خير ما يختار من زوجة؛ ثم إذا به يتجه بخياله وقلبه إلى صديقة لأخته ماري إذ يراها وهي طالبة في معهد عال تجمع إلى جمال الخلقة حسن الخلق وسعة الثقافة؛ ولكنه لا يلبث أن يرى نفسه وقد علق قلبه بفتاة تزوجت حديثاً، ولكنه يؤثر أن يموت بين يديها على أن يكاشفها بما يحس نحوها من حب. . . ولن تزال أحلام الحب تطوف بقلبه شأنه في ذلك شأن غيره من الشباب، ولا تزال الرغبة في الزواج تلح على نفسه وتوحي إليه كثيراً من الأماني العذاب، ولكنه لا يستقر على رأي، وقصاراه أن يحلم بمن يتوق إلى أن يحبها لتكون له زوجاً تجمع بين صدق العاطفة ورجاحة العقل وتحس نحوه مثلما يحسه نحوها وتفهمه كما يفهمها، وأنى له أن يظفر بهذه الزوجة التي لا يجدها