للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إلا فيما يحلم من حلم؟

ولم يقتصر الفتى على الأحلام، فقد كان طلب نساء يسعى إليهن ويسعين إليه ولا يتورع أن يتسلل إلى بيوت يتهامس الناس بأسمائها ويتغامزون بها؛ ولن تخرج المرأة في رأيه عن إحدى اثنتين، فإما واحدة يلهو بها ويطفئ بها لهيب جسده، وإما ثانية يحلم بين يديها أحلام الزواج والعفة ولا يستطيع خياله أن يتجه لحظة أمامها إلى معنى من معاني السوء، ومن عجيب أمره أنه على تنبله بالثياب والمال وعلى حيويته وقوة بدنه كان خجولا شديد الاضطراب إذا وجد نفسه في مجلس أوانس أو سيدات مهما بلغت ألفته لهن، أو إذا تحدث إلى فتاة أو سيدة فما يزول عنه خجله أو يبارحه اضطرابه إلا بعد حين.

ومن كان يحيا حياة كهذه مطلق العنان مسرفا في اللهو كان حقيقة أن يفشل في طلب العلم؛ ولذلك فشل تولستوي فشلا كبيراً، على أنه يحاول أن يبرئ نفسه فيرد سبب إخفاقه إلى اضطغان أستاذ التاريخ الروسي عليه، ويزعم أنه كان حسن الإلمام بهذه المادة، كما يعلم أن هذا الأستاذ أسقطه كذلك في اللغة الألمانية على الرغم من أنه يجيدها أكثر من أي طالب آخر في قسمه بما لا تجوز معه المقارنة.

وترك تولستوي كلية اللغات الشرقية إلى كلية القانون، ولكنه في عامه الثاني بالجامعة لم يك أحسن حالا منه في عامه الأول، فقد ظل مسرفا في لهوه لا يقف فيه عند حد، يسهر أكثر لياليه حتى يسفر الصبح في مجونه وفتونه، ولبث على هذه الحال حتى انتصف العام الدراسي أو جاوز المنتصف.

وكان في الجامعة يتنبل بماله وثيابه، ويصل إليها على جواد جميل وحوله بعض الخدم، ولا يجالس أو يصاحب إلا من يراه في مثل طبقته، ويترفع على من يراه دونه، ولذلك كان بغيضاً إلى هؤلاء ثقيلا عندهم، قال أحدهم يصف شعوره نحوه (لقد كنت أبتعد عن الكونت، ذلك الذي نفرني من أول الأمر تظاهره بالجفاء كما نفرني شعره القصير الخشن وما ينبعث من عينيه نصف المقفولتين من نعنى يخز النفس، وإني لم ألق قط شاباً مثل ما لهذا الشاب من ذهاب بالنفس ورضاء عنها، الأمر الذي يعد غريباً كما أنه لا يفهم؛ وقلما كنت أقابل الكونت أول الأمر، ذلك الذي على الرغم من قميء منظره وخجله قد اتخذ له رفقة ممن يدعون الأرستقراط؛ وقلما عني بأن يرد تحيتي كأنما يريد أن يشير بذلك إلى أننا

<<  <  ج:
ص:  >  >>