الحياة؛ فإني ما أزال أصل إلى خاتمة لا تتغير ومؤداها أن الغرض من الوجود الإنساني إنما هو أن نبذل أكبر عون نستطيعه في سبيل أن يرقى كل شيء حي رقياً عالمياً عاماً؛ وإني لو لم أجد غرضاً لحياتي لكنت أشقى بني الفناء على أن يكون غرضاً نافعاً عاماً. . . وعلى ذلك فيجب أن تكون حياتي اليوم كفاحاً دائباً نشطاً في سبيل تحقيق هذا الغرض الذي ليس لي غرض سواه).
ويعود الفتى إلى اعتزامه وما يقطعه إلى نفسه من مواثيق فيذكر ما سوف يأخذ به نفسه من ألوان الجد في عاميه القادمين بالقرية، فسيدرس القانون كله ليتهيأ للامتحان النهائي للجامعة وسيدرس الطب العملي وقسطاً من ناحيته النظرية واللغات الفرنسية والروسية والألمانية والإنجليزية والطليانية واللاتينية، والزراعة النظرية والعملية والتاريخ والجغرافيا والرياضيات والعلوم الطبيعية، وسيدون ما يعن له من ملاحظات وسيبلغ الكمال في الفن والموسيقى، وسيكتب المقالات في شتى المواضيع التي يدرسها إلى غير ذلك من ألوان الجد والدأب. . .
ثم إنه يقطع على نفسه عهداً أن ينجز ما جمع عزمه عليه مهما تكن العقبات وأن ينجزه على خير وجه وألا يرجع إلى الكتب فيما نسي من أمر بل يعمل على أن يسترده من ذاكرته؛ وأن يحرص على أن يبذل عقله أقصى ما في وسعه من طاقة وأن يجهر بقراءته وتفكيره، وألا يخجل من أن يصارح من يقطعون عليه عمله بأنهم يعوقونه عنه؛ وليدعهم أول الأمر يشعرون بذلك فإن لم يفهموا فليصارحهم به في شيء من الاعتذار.
وحق للمرء أن يعجب من هذا الذي يعتزمه الفتى بعد ما كان من لعبه وبطالته، ولعل إسرافه على نفسه هو الذي يوحي إليه بما عسى أن ينسيه ذلك العبث ويعوضه عما فاته من جد؛ وفيم العجب وتلك حال من حالات الشباب، والشباب يتخيل أنه قادر على كل شيء فلننظر ماذا أنجز الفتى من هذا الذي جمع العزم عليه.
لم يلبث الفتى أن ترك الجامعة دون أن يحصل على شهادة ما؛ ففي سنة ١٨٤٦ خرج أخوه نيقولا من الجامعة والتحق بالجيش، وعاش ليو مع أخويه الباقيين في بيت استأجروه وقد تركوا بيت عمتهم فلا رقيب عليهم؛ وبعد أشهر قليلة قسمت ثروة أبيهم بينهم فكانت ياسنايا بوليانا من نصيب ليو، مضافاً إليها أربع ضياع أخرى تبلغ أربعمائة وخمسة آلاف من