يحب أن ينصرف عنه إلى غيره حتى يستوعبه ويستوفي منه ما يريد. ويخرج الفتى من مقارنته بين الكتابين بأن كاترين في كتابها قد خلطت آراء منتسكيو الحرة باستبدادها وغرورها، وأن هذا الكتاب قد أجدى على كاترين من الصيت أكثر مما أجدى على روسيا من الخير. . .
وفي شهر مارس من سنة ١٨٤٧ يصيبه المرض ويلح على بدنه القوي فيحمل إلى مستشفى يقضي به أياماً؛ وهناك يبدأ الفتى كتابه يومياته فتكون هذه اليوميات من أهم مصادر تاريخ حياته، فلقد دأب على كتابتها أكثر أيام عمره؛ ولم ينقطع عنها إلا بضع سنين ثم عاد إليها.
وكانت أول صفحة منها بتاريخ اليوم السابع عشر من ذلك الشهر ومما جاء فيها قوله:(ليس يصحبني خادم هنا ولا يساعدني أحد، وعلى ذلك فلن يؤثر مؤثر خارجي في ذاكرتي أو حكمي على الأشياء، ويجب تبعاً لذلك أن يزداد نشاطي العقلي. . . وإن أهم ما كسبته من ذلك هو أن أرى في وضوح أن تلك الحياة المضطربة التي يعزوها الناس عرفا إلى الشباب إنما مردها في الحق إلى فساد روحي مبكر؛ إن من يعيش في جماعة يجد في العزلة من الفائدة له مثلما يجده منها في الجماعة من كان يعيش في عزلة؛ وما على المرء إلا أن ينسحب من الجماعة وينطوي على نفسه ليرى كيف يطرح عقله ذلك المنظار الذي كان يرى خلاله كل شيء حتى ذلك الوقت في ضوء مهوش. . . ولأن يكتب المرء عشرة مجلدات في الفلسفة أهون عليه من أن يحقق فكرة واحدة تحقيقاً عملياً).
وفي منتصف أبريل من تلك السنة كتب في يومياته يقول:(لقد فشلت منذ قريب في أن أجعل سلوكي كما أريد، وكان مرد ذلك بادئ الرأي إلى أنني تركت المستشفى، ثم بعد ذلك إلى من أجدني أعود إلى مخالطتهم من رفقة يوماً بعد يوم؛ وأختتم ذلك بأنه ينبغي أن يقودني تغيير المكان إلى أن أفكر في جد كيف تؤثر فيَّ الظروف الخارجية كلما تجددت الشروط والأوضاع).
ويتفكر في مستقبله فيعاوده ما كان يطمح إليه من كمال على الرغم مما أسرف فيه من عبث ولهو فيقول: (إني أجدني دائماً بحيث يطالعني هذا السؤال: ما الغرض من حياة الإنسان؟ ويغض النظر عما بلغته بطول تفكيري من نتائج وعما أعده في رأيي منبع