مطالبة بإفاضة التقوى التي كانت روح الجامع الأزهر. فينبغي أن تكون روح الجامعة الأزهرية!!!
هذه الروح الطيبة التي فهمتها وفهمها إخواني من غضون الكلمة، ومن أجل ذلك بكيت وبكوا.
ولو استردت الجامعة الأزهرية هذه الروح لأدت رسالتها الأولى في بيان حكمة التشريع الإسلامي ونشر السلام في ربوع العالم تحت إشرافه، ثم لأدّت رسالتها الثانية التي لا تقل عن الأولى خطراً في استخراج حقائق (العلم الذي يعمل به المسلمون وغير المسلمين، وفي تدارك عيب العصر الحاضر. وهو العيب الجسام الذي يتمثل في العزل بين عالم العقل وعالم الروح. فيتعلم فيه الرجل وهو مؤمن ويؤمن فيه وهو عالم، ويحسن قيادة المتدينين المتعلمين).
تغمد الله الأستاذ الأكبر الشيخ مصطفى عبد الرزاق بسحائب رحمته، فقد كنت مثلك كبير الرجاء - يا سيدي العقاد - في إنجاز هذه المهمة على يديه!
قابلته رحمه الله أول ربيع الأول مع وفد من زملائي المصريين في كلية أصول الدين، وألقيت بين يديه كلمة جرى بها قلبي قبل لساني، رجوته فيها بتعديل الدراسة في الأزهر على أحدث المناهج العصرية، ليتمكن خريجه من أداء وظيفتيه في ثقافة العقل وثقافة الروح. ولست أنسى مدى حياتي تلك الدمعة الطاهرة التي اغرورقت بها عيناه وهو يقول بحضور فضيلتي وكيل الأزهر ومديره:(يا أبنائي هذه هي النهضة التي طالما تمنيت أن يسعى إليها أبناء الأزهر، وإني لأرجو أن تهيئوا الجو الصالح لأواصل عملي في اتزان وسكينة).
ولقد وفى رحمه الله بوعده فبقي يواصل العمل حتى توفاه الله إليه. وعسى أن يكون خلفه محققاً لرغبات الأزهر في الإصلاح. وبعد، فإن الطالب الأزهري اللبناني لم يكتب هذا المقال إلا ليصور آلامه وآماله، وإنه ليغتنم هذه الفرصة السانحة فيناشد الأستاذين الكبيرين العقاد والطنطاوي ليواصلا الحديث عن الأزهر، وأن يقوما بقسطهما في توجيه شبابه، حتى يعود الأزهر جامعاً لله فيه قداسة الجوامع وهيبتها ووقارها وجامعة للناس فيها علوم الجامعات وفنونها وآدابها، وفيها - فوق ذلك - روح تخرج الناس من الظلمات إلى النور.