ليسمح لي الأستاذ الذي كثيراً ما تعلمت من مقالاته حرية البحث أن أكون حراً في نقدي إذا رضي أن يسميه نقداً وفي حكمي على موازنته بأنها قياس مع الفارق، ليس في رأيي فقط، بل في رأي إخواني الأزهريين الذين تلوت الرد عليهم فلم يجدوا فيها مقنعاً. والأزهريون - كما جاء في مقال الأستاذ - أفنوا حياتهم في دراسة المنطق، والتمكن من أسسه، والتدرب على صحة أقيسته التي تعصم الأذهان من خطأ التعليل، فلهم إذاً حق المناقشة والانتقاد.
وإني مستعد بلا ريب لتحمل مسئولية كلامي حين حكمت على تلك الموازنة بأنها قياس مع الفارق لأن الذي جعل للترام علاقة بقلة البركة رجل من عامة الناس باعتراف الأستاذ؛ أما الذي جعل لسراج الزيت علاقة بماضي الأزهر وحاضره فأديب كبير يعرف فضله الأستاذ.
ولست أزعم أن الأديب معصوم، فما أكثر ما يخطئ الأدباء! لكني لا أرى من الإنصاف للأستاذ الطنطاوي أن نحسبه يصور ما بنفسه تصوير العوام، أو يجري في وصف شعوره على ما يجري عليه الجهال، كأنه يعجز عن الموازنة بعقله، أو يرتبك في المقارنة بمنطقه.
ليس حنين الطنطاوي إلى حصير الرواق ليعود الأزهري إلى النوم عليه ولكن لأن فيه معنى القناعة. .
وليس تشوقه إلى سراج الزيت ليعود الأزهري إلى القراءة عليه ولكن لأن فيه معنى السهر في المطالعة والتحصيل. . .
وليس شغفه بذكرى صومعة النسك ليعود الأزهري إلى الانقطاع بين جدرانها، ولكن لأن فيها معنى التعفف والتقوى والصلاح. . .
وليست الأمثلة التي سردها عن العلماء الأعلام ليرغب الأزهريين في تقليل نصيبهم من المشاركة في الحياة العملية، ولكن لأن فيها إشادة بالمثل العليا التي كانت أخلاق الأسلاف. . .
وليست كلمته في ختام مقاله (يا إخواننا لم نجد والله خيراً في الجامعة الأزهرية فردوا علينا الجامع الأزهر) لينتقل بالأزهريين من جديد إلى الدراسة في حلقات الجامع، ولكن لأن فيها