والحق أن في الأزهر اليوم نهضة إصلاحية كبرى يعترضها كثير من العقبات. والحق أن في الأزهر ومعاهده شباباً غير قلائل يلتهبون غيرة على الدين، ولكنهم يفقدون القيادة الحكيمة والتوجيه الرشيد. ولو دللت العقاب، ووجه الشباب، لخطا الأزهر أشواطاً إلى الكمال. ولكن. . . أين الأسود لتعلم الأشبال؟
أوضح الأستاذ الطنطاوي ما كان يتلجلج في الصدر حين وجه على صفحات الرسالة كلمة إلى الأزهريين (بمناسبة حادث الشيخ أبي العيون).
كانت الكلمة وكتوبة بشعور فياض، وعاطفة جياشة، فلم أتمالك نفسي وأنا أتلوها من التأثر والبكاء. ورحت أتلوها على إخواني الأزهريين من المصريين وغير المصريين، فلم أجد إلا عيوناً تفيض، وقلوباً تلين. وليس بالجديد أن يكتب الأديب بمداد قلبه، فكثيراً ما يغلب على الأدباء إرهاف الحس، فيقارن أحدهم بوحي من عاطفته ما يسأم العقل من مقارنته، أو يمل من تحليله وتعليله.
هذه المقارنة الشعورية التي تجلت في المقال لم يكن فيها مقنع للأستاذ الكبير العقاد الذي رد عليها تحت عنوان (جامع وجامعة) وإني إذ أوافق الأستاذ علي أن الشرق في أشد الحاجة إلى تحويل أفكاره من مقارنات الشعور إلى مقارنات العقول، أرى أن موضوع الأزهر خاصة وبعض الموضوعات الأخرى ما برحت في حاجة إلى المقارنة الشعورية بين وقت وآخر، على شرط ألا يخالف الشعور العقل في حكمه، وإن خالفه في أسلوبه ونظمه.
إن هذه الحياة - كما هي بحاجة إلى العقل في حكمه الراجح الموزون - لا نستطيع أن نتجاهل أنها في بعض الأحيان بحاجة كذلك إلى الشعور في تصوير الحكم العقلي الجاف بصورة عاطفية مثيرة؛ وإلا فلن يكون للخطباء تأثير، ولا للشعراء تقدير، ولا للأدباء إجلال.
وإني لأعجب للأستاذ الفاضل - وهو الأديب الذي تفخر العروبة بآثاره - كيف استنبط من مقال الطنطاوي أن علة العلل في الأزهر هجرانه حصير الرواق وسراج الزيت وصومعة النسك، وأن البركة كل البركة مرهونة بالعودة إلى هذه الأشياء. وإني لأكثر عجباً بموازنة الأستاذ بين صلة الترام بقلة البركة في المبيعات والمشتريات وبين صلة سراج الزيت بما