الإشارات التي يصاحب بها الإنسان كلامه الآن ويمكن ردها إلى عوامل بيولوجية قديمة ورثناها عن أجدادنا الذين تسلسلنا منهم.
ثم اعتاد الإنسان أن يقوم بهذه الإشارات بمحض إرادته للتعبير عن المعاني التي تؤدي إليها فصارت اختيارية. فإذا أراد أن يعبر عن استهجانه لشيء أو كراهيته لشخص نراه يقطب وجهه كأنه يقول:(إني أكره هذا). ومثل ذلك ما اعتاده الناس من قديم الزمان أن يرفعوا رؤوسهم إلى أعلى للتعبير عن النفي أو يهزها إلى اليمين واليسار لهذا الغرض نفسه. كأنهم يقولون (لا) كما أنهم يعبرون عن الإيجاب بخفضها نحو الأرض بمعنى (نعم).
ثم أخذوا يعبرون عما يقصدون بتقليد شكل الأشياء التي يريدون الإفصاح عنها أو عن بعض صفاتها كما يفعل الأطفال والخرس الآن.
وبعد أن كانت إشارات الإنسان في أول الأمر تعبيراً عن المحسوسات والأجسام المادية تطورت تدريجياً تحت تأثير حاجات الناس المستمرة وارتقاء حياتهم الاجتماعية والعقلية وتحولت (أي الإشارات) إلى التعبير عن المعاني الرمزية والمعنوية. فبعد أن كانوا يعبرون عن الصخر مثلاً بإشارة إلى قطعة منه صاروا يدللون بهذه الإشارة إلى معنى الصلابة. وهذا ما تفعله إلى الآن كثير من القبائل البعيدة عن العمران سواء في إشاراتهم أو في لغاتهم الكلامية البسيطة المحدودة. وهذه هي أيضاً إشارة الخرس عن هذا المعنى - معنى الصلابة.
ومما يروى على سبيل الفكاهة لهذه المناسبة أن حرس برلين يعبرون من زمن عن شخص فرنسي بحركة يدهم بعنف على رأسهم من الخلف كمن يحاول قطعها. وقد اتضح أن هذه الحركة تشير إلى حادث موت لويس السادس عشر ملك فرنسا الذي أعدمته الثورة الفرنسية بالمقصلة.