للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وحش مفترس أو كصيد فريسة كبيرة أو زحزحة صخرة ضخمة أو تسلق شجرة عالية لجني ثمارها أو تقطيع أخشابها لتهيئة مأوى أمين وغير ذلك من صعاب أمور الحياة. ولكن حياة جماعاتهم هذه كانت قصيرة الأمد في بادئ الأمر لأن الأقوياء منهم كانوا يبطشون بالضعفاء ليستولوا عنوة أو خلسة على ما حصلوا عليه من الغداء أو الإناث أو المأوى الصالح، فلا يلبثون أن يتشتتوا هرباً من اعتداء بعضهم على بعضهم، فيشعر الفرد منهم بضعفه وهو وحيد أمام قوى الطبيعة والوحوش المفترسة الخ. فيجتمعون ثم يتشتتون ثم يجتمعون، وفي كل مرة يزدادون اقتناعاً بفوائد الحياة جماعة، وأخيراً فطنوا إلى أنه لابد لبقائهم مجتمعين من احترام حياة الغير وملكيته وإناثه وغير ذلك من القواعد التي دعت إليها المصلحة المحض - مصلحة الجماعة وبالتالي مصلحة الفرد وانتقلت هذه الصفات أو القواعد - التي نسميها حميدة لأنها منافعه - من الآباء إلى الأبناء، ومن جيل إلى جيل حتى صارت غريزية فينا أو كادت، وهذا هو منشأ الغريزة الاجتماعية الأخلاقية في الإنسان وفي الحيوانات التي تعيش جماعة كالنمل والقرود العليا.

نعود إلى النطق فنقول: إنه ما إن بدأ أفراد الناس وأفراد باقي الحيوانات الاجتماعية يعيشون جماعة حتى شعروا بالحاجة إلى التفاهم بعضهم مع بعض والتعبير بأية وسيلة عما يجول في خواطرهم مما يهم كل واحد منهم أو يهم الجماعة. وكان الاستعداد للنطق قد تحقق عندهم بعد أن نما مخهم، وتقلص الفكان وصغر حجم الأسنان، وتحررت الشفتان وترهفتا على الوجه المتقدم بيانه، نتيجة لنمو اليدين، بسبب تسلق الأشجار والحياة في الغابات. فأخذوا يحاولون بعضهم التفاهم مع بعض بمختلف الطرق.

التفاهم بالإشارات:

أخذ الناس وسائر الحيوانات العليا - ومثلهم الأطفال الآن - يبدون إشارات كانت في بادئ الأمر آلية غير اختيارية ولا تقليدية تدل على الانفعالات النفسية أو الحاجات الجسمانية الحيوية وهذه الإشارات ترجع إلى عوامل بيولوجية وفسيولوجية بعضها معروف أسبابه وبعضها مجهول كتقطيب الوجه عند الغضب أو الحزن أو الابتسام عند الارتياح والسرور وكهز ذيل الكلب عند الفرح والترحيب بقدوم من يحب، وكهز رأس الإنسان للدلالة على التعجب وانحنائها للمذلة والخضوع، وكالعض على الأصابع للدلالة على الندم، وككثير من

<<  <  ج:
ص:  >  >>