فالصحابي قد يخطئ في رأيه، وقد يخونه سمعه فيخطئ فيما يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأهل السنة يجيزون تخطئة الصحابي فيما يقع فيه من الخطأ، لا فرق في ذلك بين أبي هريرة وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنهم لا يجيزون تجاوز ذلك إلى الطعن في دينهم، ورميهم بما رمى به المؤلف أبا هريرة من أنه كان منافقاً مجرماً كذاباً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم مات وهو راض عن أصحابه، ونحن نكرمه برضانا عمن رضي عنه، وبالتأدب في حقه وعدم الطعن عليه في دينه، وقد كان أبو هريرة من ألصق الأصحاب بالنبي صلى الله عليه وسلم، فيهمنا أن يكون رضاه عنه في موضعه، وألا يكون رضاه عن منافق كان يخدعه في دينه، ولنخطئ أبا هريرة بعد ذلك فيما يثبت عليه أنه أخطأ فيه، مع صون اللسان عن السب والشتم والطعن في الدين، فليس هذا السب من النقد الصحيح في شئ، ولا من أدب الجدال في الدين والعلم، وقد نهانا الله عن ذلك في جدالنا مع من يخالفنا في الدين، فقال تعالى في الآية - ١٠٨ - من سورة الإنعام (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم)، وقال تعالى في الآية - ٤٦ - من سورة العنكبوت (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن)، والمسلم أحق بذلك مع المسلم.
وقد ثبت أنه كان هناك رواة يضعون الحديث على أبي هريرة، ومنهم إسحاق بن نجيح الملطي، وعثمان بن خالد العثماني، وابنه محمد، وهو الذي روى عن أبي هريرة أنه دخل على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة عثمان بن عفان وبيدها مشط، فقالت خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندي آنفاً رجّلت شعره، فقال لي: كيف تجدين أبا عبد الله - يعني عثمان - قلت: بخير. قال: أكرميه، فإنه من أشبه أصحابي بي خلقاً. وهذا حديث باطل، لأن رقية ماتت في غزوة بدر، وأبو هريرة إنما أسلم بعد فتح خيبر، فلنحمل مثل هذا على أولئك الرواة، ولا داعي إلى الطعن في أبي هريرة.