للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ومسموم لعابه، فلا تتمالك إلا أن تقئ وتهذي وتتلوى وتأتي بالحماقات والشناعات. . .

إنه يجذبك من عالم أحلامك السعيدة العليا إلى الحضيض الذي تتمرغ فيه وتتقلب عليه مع بنات الطين والظلام. . .

إنه بوق الشيطان ينفخ فيه على أفاعي الشر والضغينة في الحجرات المظلمة من نفسك كلما أوشكت أن تموت؛ لتحيا دائماً معك لأنها أعظم جنوده التي أرصدها لحرب ذلك الطفل العبقري الوديع: الحب!

وإن هذه الأفاعي إذا صحت ونشطت فلن تأكل في الحقيقة إلا فلذات قلبك ولن تشرب إلا دمك. . . ولقد جعلت من الذين أوسعوا لها من صدورهم مسمومي الإدراك مطموسي الإحساس بجمال الوجود ولذة الحب والرحمة.

إنها كريهة الدبيب مغتالة لأفضل ما في النفس، مثيرة للدم الأسود المحموم.

إن الشر يجب أن لا يكون إلا لدفع الشر الذي لا يُدفع بالخير. فيجب على القديس الحليم أن يكون عنيفاً شديداً مع الذين لا يرون المثل الأعلى إلا في الشر والعنف. . . أما أن يتخذ ذخيرة وغذاء تجتره النفس انسياقاً مع الغرائز القديمة، واستجابة للوحش الذي فينا، وتنمية لنوازعه وتنقيباً عن سفالاته المطمورة فذلك هو الهدم لدعائم الحضارة والارتداد والانتكاس إلى الوحشية التي تطمس الآفاق التي رأتها الإنسانية على ضوء السكينة النفسية والحب المتبادل.

فليُعِن الله محبي الخير على الحرب الدائرة بينهم وبين هذه النفوس العريقة في عالم الأذى. . .

وليحفظ رقة الخير وضعفه بين الشرور كما يحفظ حرير الورد من جوار الأشواك المسنونة المشرعة التي تهدده دائماً بالتمزق وتؤذي من يريد أن ينعم به نعمة خالصة.

عبد المنعم خلاف

<<  <  ج:
ص:  >  >>