العواصف بأنحاء الإمبراطورية حتى استعانت بالجيش الروسي فجاء لمعونتها خمسون ومائتي ألف من هذا الجيش، وكانت روسيا تريد أن تطفئ نار الثورة في المجر حتى لا تمتد إلى بولندة وكانت تحت حكمها فتخلع عنها نير الاحتلال؛ ومن عجب أن يتجه تولستوي إلى التطوع في حرب ظالمة كهذه الحرب وهو الذي سوف يكون في غده من أكبر الساخطين على العدوان وعلى الحرب أيا كانت بواعثها. . .
وكان لزاماً على من يتطوع أن يقضي سنتين في صحبة الجيش العامل قبل أن يسمح له بحمل السلاح والقتال، ولكن تولستوي كان يطمع أن يتخذ مكانه في الصفوف قبل انتهاء هذه المدة بما عسى أن يبدي من مهارة وقوة، وإن خياله ليس له كل شيء فما إن يفكر في أمر حتى يحسبه حقيقة واقعة، وإنه ليحدث نفسه بأن عمله في الجيش سوف يكسبه خبرة بالحياة والناس، وسوف يخلق منه شخصاً جديداً، إذ إنه بهذا العمل ينجو مما يغريه به الفراغ والشباب من عبث ولهو. . .
ولكنه لا يلبث إلا قليلاً حتى يكتب لأخيه يقول له:(أثبت في كتابي الأخير إليك كثيراً من اللغو، وكان أبرزه ما أشرت إليه من رغبة في التحاقي بفرقة الفرسان، وسوف لا أفعل ذلك إلا إذا فشلت في امتحاناتي أو إذا كانت الحرب ذات خطر).
وجاء الربيع يبعث البهجة والحياة في كل حي، وطافت بخيال الفتى مجاليه في أسحاره وآصاله، هناك في ضيعته المحبوبة ياسنايا بوليانا، فسرعان ما أنطلق من جامعة بطرسبرج كما انطلق قبل من جامعة قازان، وسرعان ما أبعد عن فكره وخياله العمل في الجيش وفي الوظائف المدنية جميعاً، ثم أقبل على ياسنايا، وليس في نفسه هذه المرة من عزم إلا تعلم الموسيقى!