وأقبل الفتى على الدراسة في جد وعزم كأن لم يعرف اللعب يوماً؛ وكتب إلى أخيه في فبراير سنة ١٨٤٩ يخبره بما هو فيه من جد، وينبئه بأنه سيبقى في وبطرسبرج إلى الأبد؛ ويصف له في كتابه مبلغ ما للحياة في هذه المدينة من أثر نفسه، فكل شيء يبعث على الجد والدأب، وكل امرئ يسعى سعيه حتى لن يجد المرء من يصحبه إلى حياة عابثة، ولن يستطيع المرء أن يحيا هذه الحياة وحده إلى أن يقول لأخيه (أعلم أنك لن تصدق أني غيرت ما بنفسي وأنك ستقول إنها المرة العشرون ولكن في غير جدوى؛ كلا. . . لقد تغيرت الآن. . . وفوق ذلك فإنني اليوم بداخلي إحساس بأن المرء لا يستطيع أن يعيش بالنظريات والتفلسف، ولكنه ينبغي أن يحيا حياة واقعية، أعني أنه يجب أن يسلك سلوكاً عملياً. . . وهذه خطوة واسعة نحو التقدم).
وفي شهر أبريل يجتاز ليو امتحاناً في القانون المدني والقانون الجنائي بتفوق ملحوظ؛ على أن ذلك لم يكن في الواقع ثمرة جهد متصل وإنما كان ثمرة أسبوعين استوعب فيهما ما استطاع أن يستوعبه من هاتين المادتين.
وفي شهر مايو يكتب لأخيه فإذا به يقول في كتابه (أي سير يوشا. . . أتوقع أنك سوف تقول لي أكثر من عرفت ضعف عزيمة، ولكي أكون أميناً، ينبغي أن أقول إن الله يعلم ماذا كنت أفعل هنا!. . . لقد جئت بطرسبرج بغير سبب معين، ولم أعمل هنا عملاً ذا عائدة، وقصاراى أني أنفقت مالاً كثيراً حتى لقد تورطت في الدين؛ يا للغباء! وأي غباء؟ لن تستطيع أن تصدق كيف يؤلمني ذلك، وبخاصة تلك الديون التي يجب أن أؤديها بأسرع ما في وسعي، وذلك لأنني إن لم أفعل فلست أفقد المال فحسب، بل أفقد معه شرف سمعتي. أعلم أنك ستضج بالشكوى، ولكني ماذا عسى أن أصنع؟ إن الإنسان يقترف مثل هذه الحماقة مرة في مدى عمره. . . وإني لأركن إلى عطفك إذ أرجو منك أن تتدبر في إخراجي من هذا الوضع الكريه حيث أجدني مفلساً يحيط بي الدين من كل جانب).
ويعتزم الفتى أن يلتحق بالجيش في فرقة الفرسان متطوعاً في الحرب، وأن يترك جامعة بطرسبرج دون أن يتم دراسته فيها كما ترك جامعة قازان من قبل وكانت الحرب التي يريد أن يتطوع فيها هي تلك الحرب الظالمة التي قذفت بها النمسا الأحرار المجاهدين في المجر، أولئك البواسل الذين رغبوا في الاستقلال عنها وردوا جيشها وقد عصفت