فأقبل على المجون واللعب وأسرف في ذلك إسرافاً شديداً وبخاصة في مخالطة النساء مخالطة لا تأثم منها ولا تورع فيها حتى لقد أحدثت أثرها في بدنه القوي أو كادت، وحتى لقد عاد الفتى إلى سالف ندمه فانه يكتب في يومياته في منتصف شهر يونيو سنة ١٨٤٧ يقول (ما أصعب على من يقع تحت تأثير الشر أو يزيد ما تنطوي عليه نفسه من خير. . . هل أبلغ بعد الأمد الذي أجدني فيه مستقلاً عن المؤثرات الخارجية؟ إن ذلك معناه في رأيي الوصول إلى كمال عظيم، حيث إنه في حال الرجل الذي يتخلص من العوامل الخارجية تسيطر الروح على الجانب المادي منه بالضرورة فيبلغ ما يريد؛ وسأضع اليوم لنفسي قاعدة جديدة وهي أن الاجتماع بالنساء إن هو إلا شر من شرور المجتمع لابد منه، وعلى المرء أن يتجنبه ما استطاع؛ وممن نتعلم في الواقع الشهوة والخنوثة والتفاهية في كل شيء إن لم نتعلمه من النساء؟ وعلى من تقع تبعة فقداننا تلك المشاعر الغريزية فينا كالشجاعة والمناعة والبأس والتصبر والعدالة إن لم تقع على المرأة؟ إن المرأة أشد استجابة من الرجل للمؤثرات، وكانت في عصور الفضيلة خيراً منا، ولكنها الآن في عصر الفساد والرذيلة قد باتت أسوأ منا وأرذل).
وتلمح إليه العمة تاتيانا ذات يوم بقولها (إنه لا شيء يكون الشاب خيراً مما يكون ارتباطه بفتاة ذات خلق)؛ ولكن توثب حيويته وعرامة فتوته وحبه الاستقلال، كل أولئك يميل به عن أن يركن إلى ما تقول. . .
وسيكبر هذا الفتى وقد ذاق حلو الحياة ومرها فيكون له من ذلك مادة لفنه وسيفيد من لهوه هذا كما يفيد من جده، فما ينسى شيئاً مما تطالعها به الحياة، وسوف نرى نظرته هذه إلى المرأة سنة ١٨٤٧ وهو في التاسعة عشرة، تتجدد في قصة يكتبها سنة ١٨٨٩ وهو في الحادية والستين، وهي قصة كروتنزرسناتا.
لم يعد للفتى أمل في إصلاح فلاحيه وأحسن أنه يقضي أيامه في باسنايا عبثاً فصمم على الرحيل منها، وفي شهر أكتوبر سنة ١٨٤٨ سافر إلى موسكو حيث قضى ثلاثة أشهر أو أربعة طلق العنان لا يلويه عن العبث واللهو شيء، وله من فراغه وشبابه وماله ما يزيد جموحه ويمد في حبال غوايته؛ ثم سافر الفتى إلى بطرسبرج فدخل جامعتها ليدرس القانون ثانية وليحصل على درجة علمية تهيئه للالتحاق بوظيفة من الوظائف المدنية.