وكيفما كاد الأمر فإن القاعدة ثابتة باستقراء كلام الله تعالى وكلام العرب، وهو عندي أقوى الأدلة، أما الجملتان اللتان استدل بهما الأستاذ الكبير العالم على جواز نعت الاسم المجموع (لغير العاقل) بفعلاء وفعل فقد عراهما تحريف في النعت نفسه، فالأولى (وترى جراد البقول والرياحين وديدانها خضراء. . .) والأصل (خضراً) جمع خضراء، إلا أن الناسخ زاد بعد الألف همزة وغير صورتها، وحرف جمعها، والثانية (فنراها كلها سوداء) والأصل (سوداً) بالنصب والجمع ولكن الناسخ الماسخ فعل بها ما قد فعل بخضراً. وقد جرى كثير من هذا التصحيف في (فعل) المنكرة المنصوبة، دون المرفوعة والمجرورة، ومن ذلك ما ورد في رسم (لوب) من مختار الصحاح، ونصه:(اللوبة والنوبة بوزن الكوفة فيهما: الحرة الملبسة حجارة سوداء) والأصل - وهو الصواب - حجارة سوداً. ألا تراه قد قال في رسم (حر) من الكتاب نفسه (والحرة أرض ذات حجارة سود نخرة كأنها أحرقت بالنار). وفي الصحاح من طبعة العجم (قال أبو عبيدة لوبة ونوبة للحرة وهي أرض ألبستها حجارة سود (كذا). فهذا القول على تحريف فيه جمع فيه النعت لما لم يكن إلى النصب المحرف إلى الأفراد سبيل، وفي نهاية المجد أبن الأثير (اللابة: الحرة وهي الأرض ذات الحجارة السود التي قد ألبستها لكثرتها). وجاء في المغرب للمطرزي (اللابة واللوبة: الحرة وهي الأرض ذات الحجارة السود). وعلى ذلك جمهور اللغويين.
فالخطأ الذي انسرب في نسخة وزارة المعارف المصرية من مختار الصحاح إنما هو من آثار النساخ السيئة، وكذلك القول في الجملتين اللتين ذكرهما الأستاذ الكبير - على ما مرت إشارتنا إليه - فلا يصح الاستشهاد بهما، وما أظن سعادته إلا عادلة منذ اليوم عن الاحتجاج بهما، وهو المرء ينتجع الحق في ساحته ويستفاد العلم من قلمه وتستعذب مساجلته لمجده وسمو خلقه.
مصطفى جواد
في ديوان البحتري
في (الرسالة) رقم (٧١٤) عقب الأستاذ محمد النجار على بيتين للبحتري - صاحب الشعر