الشمس تتوخى سبيلها إلى المغيب في خمرة موردة وراء الأشجار السوامق. . . فألقى الملك الفأس من يده وهو يقول:(لقد أتيت إليك أيها الناسك الجليل أبتغي جواباً لأسئلتي الثلاثة! فإن كنت لا تود أن تجيبني عليها فخبرني. . . لأنقل إلى داري!) فقال الناسك وهو يمد طرفة إلى الأفق (ثمة من يعدو! فدعنا نرى من يكون!) فتلفت الملك وراءه. . . فالتقى طرفه برجل ذي لحية كثة يركض نحوهما!. . . وقد أمسك يديه على بطنه، والدم يتفجر خلال أنامله. فلما بلغ مكان الملك هوى أمامه على الأرض وهو يئن ويتأوه في وحدة وألم. . . وقد تولاه الإغماء. . . فراح الملك والناسك ينضوان عنه ثيابه. . . فألقيا في بطنه جرحاً غائراً في الأمعاء. . . أخذ الملك يغسله بالماء. . . ويضمده بمنديله ثم برباط أتاه به الناسك من صومعته. . . بيد أن الدم لم ينقطع سيله، فعاد الملك يغير الرباط الملطخ بالدم بآخر أقتطعه من ثيابه. . . فلما توقف فيضه عن الجريان والترف عاد إلى الرجل الجريح رشده وصوابه وأفاق من غشيته. . . وطلب بعضاً من الماء فوافاه الملك بما سأله إياه. . . وكانت الشمس حينئذ قد هوت كالجمرة خلف الأفق وغابت عن صفحة السماء. . . وشاع البرد في كل مكان. . . فاستعان الملك بالناسك على رفع الرجل وحمله إلى داخل الكوخ حيث استقر في الفراش وأغمض جفونه وراح يغط في وسن هادئ وسبات عميق! وارتمى الملك في ركن من الكوخ وقد أعياه العمل وأضناه العناء والكدح فأغرق هو الآخر في النوم.
حينما استيقظ الملك في صبيحة اليوم التالي، كاد إلا يذكر أين مكانه، ولا يعرف ذلك الرجل الملتحي الذي يقبع في فراشه يحدق فيه ويرنو إليه بعينين نفاذتين. . . قال الرجل - وقد أحس أن الملك بدأ يستعيد وعيه ويفيق من نومه وراح ينظر إليه - (أضرع إليك أن تشملني بعفوك!) فأجابه الملك في رنة عجب: (إني لا أعرف من أنت. . . فعلام ترجو عفوي؟!) - (أنت لا تعرفني بيد أني أعلم من أنت!. فأنا ذلك العدو الذي أقسم غير حانث على أن ينزل بك نقمته وعدوانه جزاء ما أعدمت أخاه وانتهبت داره وشردت أهله. . . فقد تناهى إلى علمي أنك قاصد إلى الناسك. . . فبيت النية وعقدت العزم على أن أنهز هذه البادرة وأقتلك وأنت في سبيل العودة. . .! ولكن اليوم تقضي ولم أستبن لك أثراً. . .! فبرزت من مكمني لأنقب عنك. . .! فلمحني رجالك وتعرفوا علي، وأصابوني بجرح بالغ