للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المؤلفات العربية متى وصلت إليه أكثر من إقباله على المؤلفات المصرية، لأنه في هذه الحالة يضيف حب الاستطلاع وحب المجاملة إلى حب التقدير والاستفادة.

فالآن يسرنا أن نرى أديباً مصرياً يتجرد لدراسة شاعر عراقي كبير ويسبق أدباء العراق إلى هذه الدراسة وهي من واجب الأدباء في الأقطار العربية جمعاء، وقد أشار الأستاذ الجليل السيد محمد رضا الشبيبي وزير المعارف السابق بالعراق إلى هذا المعنى في مقدمته للكتاب فقال: (ومما راقني جداً أن يضطلع بها مؤلف مصري فيحوز قصب السبق في هذا المضمار على أدباء العراق) ثم قال: (وقد تصفحت الكتاب فإذا مؤلفه الأستاذ قد ألم بكثير من النواحي التي ينبغي الإلمام بها في هذا الشأن، فلم يفته البحث في بيئة الرصافي ومنشئه وسيرته وفنه وشاعريته إلى غير ذلك. وقد كون آراءه في النقد وذكر ما للشاعر وما عليه، والموازنة بين محاسنه ومساويه في الشعر والأدب تكويناً لطيفاً يدل على تجرد وإنصاف في كثير من فصول الكتاب).

وقد استعان الأديب المؤلف بجميع المؤهلات التي تندبه للكتابة عن شعر الرصافي وأدبه ومسيرة حياته. لأنه عاش حيث عاش واطلع على معاهد شعره وسيرته، وانطوى له على إعجاب يتيح له أن يفهمه وينصفه وأن يعطف على موضوع دراسته. وربما كان العطف على موضوع الدراسة أول شرط من شروط التأليف في ذلك الموضوع، فإن الناقد الذي يدرس شاعراً أو كاتباً أو رجلاً من رجال تاريخ كائناً ما كان لا يراد منه أن يتعقبه تعقب الغريم أو يدينه إدانة القاضي أو ينظر إليه نظرته إلى غريب لا يعينه أمره ويستوي عنده إنصافه وظلمه. وإنما يراد منه أن يشعر بشعوره وأن يخلص إلى بواطن نفسه، ولا سبيل له إلى ذلك بغير عطف وصداقة نفسية تعينه على الفهم الصحيح.

ولكن هذا العطف لم يمنع الأديب المؤلف من نقد الشاعر حيث يجب نقده في أدبه أو خلقه كما قال الأستاذ الجليل مقدم الكتاب. فمن أمثلة ذلك إنه أنكر عليه التبذل في الغزل فقال: (وله إلى جانب هذا الهوى المتوزع والقلب المتفرق غزل مبتذل ووصف مكشوف لا يتورع فيه الرصافي عن ذكر الخفيات وإنداء العورات في غير تحفظ ولا احتشام، مما يأباه العقل الحكيم ويمجه الذوق السليم، وما كان يليق منه ولا يقبل هذا وهو الذي جعل شعره صورة لمجتمعه وقائداً لأمته، ولا سيما بعد ما عرف إقبال الناس على آثاره وحفظهم

<<  <  ج:
ص:  >  >>