الموضوع (يؤثر) في الحساسية، وأن تأثيره ضروري لحصول الإدراك، مع إنه يؤكد في (التحليل المتعالي) إن المقولات، كمقولة الجوهر والواقع والعلية، لا تصح وراء عالم التجربة الممكنة، عالم الزمان والمكان؟ إن العلية تتعلق بالظواهر وحدها، فليس من حقنا أن نطبقها على ما هو خارج الظواهر، وليس لنا أن نصف الشيء في ذاته بأنه علة للظاهرة، بل ولا أن نقول بوجوده أصلاً. إذ من أبن لنا إنه موجود، وعلمنا محصور في دائرة التجربة؟ وكيف نزعم إنه (س) مجهولة ثم نقول إنه موجود، وإنه علة الظواهر؟
كذلك انتقد (الشيء في ذاته)؛ ومن جملة ناقديه (شولتسه) أستاذ شوبنهاور، و (فشته) الذي أنكر، بناءً على هذا النقد، أن يكون ثمة حقيقة مطلقة خارج (الذات)، وانتهى من ذلك إلى أن الشيء في ذاته هو الذات أو الأنا؛ فالأنا المطلق اللا متناهي يضع نفسه بنفسه، ويضع اللا أنا أو العالم الخارجي. على أن فشته، كما يلاحظ شوبهاور، لم يزد على أن جعل الذات (علة) للعالم الموضوعي، مع إن العلية هي الصورة القبلية لكل موضوع مدرك فقط، فلا يمكن أن تعدو عالم الموضوعات إلى العلاقة بينه وبين الذات.
وعلى أن شوبنهاور يأخذ بالنقد الموجه إلى فكرة الشيء في ذاته بحسب مفهومه عند كانت فإنه لا ينتهي من ذلك إلى إنكاره وإبطاله، وإنما هو بضد ذلك يقر (كانت) على القول به، ويراه كما رآه سلفه العظيم المطلق الكامن وراء عالم الظواهر. وإنما الذي يأخذه عليه إنه جعل هذا المطلق (علة) و (موضوعاً)، ووقع بذلك في الخلف والشناعة. إذ لا علة وراء إمكان التجربة، ولا موضوع بغير ذات. والقول بموضوع في نفسه، بموضوع لا تعرفه الذات، تناقض في الحدود. كل موضوع فهو بالضرورة موضوع بالنسبة إلى ذات، أو إدراك مدرك. ليس الشيء في ذاته بظاهرة أو فكرة، ولا هي بشيء (موجود) بالفعل، وإنما هو المطلق المستقر وراء الظواهر والموجودات الواقعية؛ هو ذاك الذي (يظهر)، ذاك الذي يرد أن يوجد، لأنه غير موجود. إنه الإرادة - إرادة الوجود. وقد قرر (كانت) إن الشيء في ذاته ممتنع على المعرفة، وشوبنهاور يسلم له هذا أيضاً، إن كان المقصود بالمعرفة المعرفة الخاضعة لمبدأ السبب الكافي؛ ولكن هناك ضرباً من المعرفة المباشرة، نستطيع أنن نكتشف به المطلق، ونكتشف إنه إرادة سرمدية: نزوع مطلق إلى الوجود والحياة والتحقق الموضوعي.