للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فلا يمكن أن يكونا مشتقين من التجربة، لأن الشرط يتقدم على الشروط، وإنما هما سابقان عليها أو هما (قبليان). ولذلك ترانا نستطيع أن نتمثل المكان والزمان خاليين من كل موضوع، تمثلاً عيانياً مباشراً، ولكننا لا نستطيع أن نتمثل الموضوعات بمعزل عن الزمان والمكان. ومؤسس النقد يسمى هاتين الصورتين، معتبرتين في نفسيهما، (بالعيان الخالص) كما إنه يسمى الإدراك الحسي (بالعيان التجريبي). وهذا الأخير يتوقف على شرطين: أولهما أن تقبل الحساسية أو تتسلم من (الخارج) تأثرات مختلفة، صادرة عن الموضوع الحقيقي أو الشيء في ذاته؛ وثانيهما أن تترتب الاحساسات الناشئة عن التأثر في صورتي الزمان والمكان، إذا كان العيان يتعلق بالموضوعات الخارجية، أو في الزمان وحده، إذا كان يتعلق بتعيناتنا الباطنة.

والظواهر الناشئة عن العيان تترابط برباط العلية، وتبدو على هيئة كميات وكيفيات، ونسب وعلاقات، وجواهر وأعراض؛ ولكن جميع هذه التعينات لا ترجع إلى الأشياء في ذاتها. وإنما هي أشكال أو (مقولات) ذهنية قبلية، نتصور العالم ونفهمه على نحوها. والقوة أو الملكة العقلية التي تقوم بهذا الدور هي (الذهن) (أو (الفهم). كما إن حساسية العقل، أو قدرته على قبول التأثرات، هي التي تقوم بالعيان أو الإدراك. وقد قرر (كانت) إن هناك اثنتي عشرة (مقولة) أو (تصوراً خالصاً)، تكون، مع المبادئ القبلية اللازمة عنها، ومع المكان والزمان، شروط إمكان التجربة. وتندرج المقولات، ثلاثاً ثلاثاً، تحت أربعة عناوين أساسية، وتؤلف بذلك مقولاً (الكمية) و (الكيفية) و (النسبة) و (الجهة). ولا حاجة لنا إلى التحدث عن هذه المقولات، ما دام شوبنهاور نفسه قد نبذها جميعاً، إلا مقولة واحدة: هي (العلية). وحسبنا أن نشير - في ختام هذه الخلاصة لمذهب (كانت) - إلى نقطتين أساسيتين فيه؛ أولاهما إن عالم الظواهر متوقف برمته وبغير استثناء على الذات وشكولها القبلية وإن عالم الأشياء في ذاتها (أو بالأحرى عالم (الشيء في ذاته)، ما دام إن (الكمية) مقولة ذهنية) مستقل عن الذات وصورها الفطرية، ولسنا نعرف، ولا يمكن أن نعرف، عنه شيئاً؛ فهو (س) مجهولة. والنقطة الثانية إن قيام الظاهرة مشروط، مع ذلك بتأثير الموضوع أو الشيء في حواسنا.

وقد هوجمت فكرة الشيء في ذاته منذ ظهورها هجوماً عنيفاً. كيف يزعم (كانت) إن

<<  <  ج:
ص:  >  >>