تأثير عميق في خيال ليو ووجدانه، وبخاصة ما أظهره مؤلفه في فنه القوي المحكم من حياة رقيق الأرض. . . وقرأ الفتى لغير هؤلاء الكتاب كتب شلر وكتب ستيرن وغيرهما من فحول القصة والشعر.
وتصادف أن كانت قصة دكنز العظيمة دافيد كوبرفيلد تنشر يومئذ تباعاً في إحدى المجلات فأحدثت في نفسه أثراً لم تحدث مثل قصة غيرها وظلت لها في نفسه المكانة الأولى حتى آخر حياته.
وماذا عسى أن يكتب الفتى؟ ذلك ما حيره أول الأمر حيرة شديدة؛ أيصف حياة الغجر كما فعل بوشكين وإنه اليوم بهم عليم؟ أيكتب قصة عمته تاتيانا؟ لا إنه لا يميل إلى هذه ولا إلى تلك فماذا يكتب؟ ليصف زيارته بالأمس لتلك الأميرة شيرباتوف التي ظن أنه يحبها؛ وأقبل الفتى فوصف هذه الزيارة، ولقد نشرت هذه القصة الصغيرة حديثاً بعد أن عثر عليها ورأى الناس أول عمل أدبي لنابغة كتاب القصة في القرن التاسع عشر فإذا بهذه الباكورة تنطق بكثير من دلائل عبقريته. . .
ويقول ليو في دفتره (إن الوصف ليس كل شيء. كيف ينقل المرء إلى القارئ شعوره؟). قال ذلك لأنه كان قد اعتزم أن يجعل الوصف غايته من الكتابة فيصف كل ما تقع عليه عيناه.
ثم بدا له وكأن أثر دافيد كوبرفيلد قوياً في نفسه أن يكتب أيام طفولته، وانكب على الكتابة كل صباح من الساعة الخامسة حتى الحادية عشر حتى أتم باكورة آثاره التي كتب لها الخلود.
ولكن حياة اللهو وما أسفاه تعود فتصرفه عن هذا الجد. فيقبل على لذاذاته ويسرف من جديد في مجونه وعبثه، ثم لا يجد آخر الأمر خيراً من أن يلوذ بضيعته من هذه الحياة التي سئمها وسئم نفسه بسببها فيعود إلى باسنايا في صيف عام ١٨٥١ ولم يتزوج من ذات ثراء ولم يظفر بمكانة في المجتمع ولا بمنصب خطير من مناصب الدولة، ولم يتحرر من الميسر ولا مما يوهن عزمه من نوازع بدنه القوي الذي لا تهدأ حيوانيته. . .
وأقام في القرية أياماً يخالجه شعور الندم على ما كان من عبثه الذي أسرف فيه على نفسه وشعور الحسرة على ما آلت إليها حاله من عسر ومن دين، وينظر اليوم إلى هؤلاء الرقيق