وكان لا يزال يطمع أن يعينه بعض ذوي النفوذ والجاه من أقربائه أو أصدقائه على أن يظفر بمنصب من مناصب الدولة ينعم فيه بالمال والجاه، ولكنه لم يصل من ذلك إلى كل ما يريد. .
وكان قد صمم عند مجيئه إلى موسكو ألا يقرب الميسر وقد أوصته عمته أن يتحرر من هذه العادة المتلفة للمال الموبقة للروح؛ ونفذ الفتى أول الأمر ما عقد عزمه عليه وابتعد عن الميسر كل الابتعاد كأنه أمر ينفر منه بطبعه؛ ولكن ما كان أعجب عودته إليه بعد قليل بأمل من جديد أن يجد فيه مخرجاً مما هو فيه من عسر؛ ولعب ما وسعه اللعب وخسر خسارة كبيرة، ولكن الخسارة لم تزده إلا إسرافاً في اللعب وعد اكتراث لما يكون للعب من عاقبة حلوة كانت أو مرة قاسية المرارة؛ ولقد بلغ به الأمر أن رهن ساعته يوماً ليدفع ثمن معطف ذي فراء أراد أن يدخل على روحه بعض البهجة يلبسه والتنبل به وإن صفرت من المال يده. . .
وضاق صدره بحياته على هذه الصورة وعزا هذا الاضطراب إلى ضعف عزيمته. كتب في دفتره يقول (إن ألاحظ إن أهم عاطفتين تتسلطان علي هما الميل إلى اللعب ثم الغرور)؛ وراح يتهم نفسه كل يوم في دفتره ويندم ما وسعه الندم؛ وجعل لكل يوم من أيام الأسبوع في دفتر آخر فضائل يؤديها وأخذ يشير بعلامة إلى ما قصر في أدائه حتى لا يعود إلى التقصير في مثل ذلك اليوم من الأسبوع التالي؛ ثم لاذ الفتى بالدين فزهد الحياة أياماً فصام وصلى وألف دعاء يدعو به الله ليخرجه مما هو فيه. .
ولمحت للفتى بارقة أمل؛ لم لا يجعل الأدب حرفة له؟ ألم تكن عمته تاتيانا على حق قالت له ذات يوم (إني أعجب يا عزيزي ليو كيف لا تكتب رواية ولك مثل ما لك من خيال؟).
وكان الفتى يقرأ القصص أكثر ما يقرأ، ولم ينقطع عن القراءة مهما شغلته الشواغل أو ملأ حياته اللهو، ولا يزال إعجابه بروسو عظيماً، وكذلك لا يزال يجعل لدكنز منزلة عظيمة في نفسه؛ أما الكتاب الروس فقد كل يقبل منهم على بوشكين وجوجول إقبالاً شديداً، وكان لثانيهما تأثير قوي في خياله وعلقه؛ وبدأ يلتمع اسم ترجنيف وكان أكبر من تولستوي بعشر سنوات، وقد نشر أكل كتبه سنة ١٨٤٧ وهو مذكرات رجل صيد، وكان لهذا الكتاب كذلك