لكن ماذا عسى أن يصنع وقد اشتدت به الحاجة إلى المال وفدحته أعباء الدين؟. . . يا عجباً! إنه يريد أن يحذق لعب الورق ليكس المال من الميسر، عسى أن يعوض شيئاً مما خسره فيما سلف من لعبه، وإنما هو كما عرف من قبل وسيلة لإتلافه؛ ثم إن الفتى يضيق بحياته هذه حتى ما يطبق صبراً فيفد إلى ياسنايابوليانا ويقضي الفتى في ضيعته بضعة أشهر لا يكدر عليه صفوه ولا يقطع هدوءه إلا إلحاح عاطفته الحيوانية عليه وظمأ بدنه ذلك الظمأ الذي لا يفتر؛ ولكنه يغالب تلك العاطفة بكل ما في طوقه من عزم، ويصبر على ذلك الظمأ ما وسعه الصبر؛ ثم لا يلبث حتى يجد نفسه وقد غلب على أمره فعاد أكثر مما كان نهماً وطمعاً. والحق إنه كان يعاني كثيراً من الضيق من جراء فشله كلما فشل في مغالبة هذه العاطفة؛ أشار إلى ذلك مرة لأحد مترجمي حياته بعد أن تقدم به العمر فذكر إنه ما من شيء كان أشق على نفسه من محاولته قهر هذه العادة التي تسلطت عليه فلم يقو على دفعها؛ ولقد كان يتأثم منها ويندم أشد الندم كلما منى بفشل جديد، تجد ذلك في مثل قوله سنة ١٨٥٠ (إني أعيش عيشة بهيمية، ولقد هجرت كل ما عسى أن يشغلني من عمل؛ وإن ذلك ليكدر روحي كدراً شديداً).
ولا يكاد الفتى يجمع من المال قدراً حتى يعود إلى موسكو في شهر مارس سنة ١٨٥١؛ وفي نفسه هذه المرة أن يبتعد عن كل ما يشين لأنه اليوم يريد أن يصل إلى مكانة مرموقة في المجتمع وأن يشغل منصباً ذا خطر وأن يتزوج من ذات ثراء ومحتد. . .
وراح يغشى أواسط الارستقراط يشهد الحفلات والولائم، يهمه أن يتعرف على العلية وذوي المكانة والنفوذ؛ إذا جلس في حلقة أخذ بقسط موفور من الجدل والحديث، وحاول ما استطاع أن يكون هو الذي يدبر الكلام ويصرف وجوهه، وحرص على أن تكون آراؤه مثيرة للدهشة أو للانتباه أو للمعارضة، واجتهد أن يبرز أقصى ما لديه من علم فيما يتشقق إليه الحديث من مسائل فيفيض ويشرح وجهة نظره ويسرد الأمثلة ويبسط الحجج في لهجة المتمكن القادر.
وعادت تطوف برأسه أحلام الزواج؛ وعاد يتذكر ما تمنته له عمته تاتيانا؛ فقد كان أجمل ما تمنته له في رأيها أن يتزوج بفتاة عظيمة الثورة وأن يمتلك من رقيق الزراع أكثر ما يستطاع أن يمتلك؛ ولكنه يرى إن مثل هذا الرباط لن يكون إلا بالحب، وهذا ما لا يحس