والزمان في قلب الحر ضال. العبد ينسج من الأيام كفنه، ويخيط الليل والنهار على نفسه، والحر يخلع نفسه من الطين، ثم ينسج على الزمان عزمه المتين. العبد طائر في شبكة الصباح والمساء، حرمت روحه لذة السبح في الهواء، وصدر الحر الهمام، قفس لطائر الأيام، فطرة العبد تحصيل الحاصل، وخواطره تكرار قاتل، مقامه من الخمود واحد، وصوته بالليل والنهار راكد. والحر كل حين خلاق، يسكب وتره نغمة مجددة في الآفاق، فطرته لا تحتمل التكرار، وليس طريقه حلقة البركار، العبد في سلاسل من أيامه، والقضاء والقدر وِرد لسانه. وهمة الحر مشيرة على القضاء، تصور يده الحادثات كما تشاء، الماضي والآتي ماثلان لديه، والآجل عاجل بين يديه.
هذا كلام برئ من الصوت والصدى، يأبى على الإدراك أبداً. أقول ولفظي من المعنى يخجل، ومعناي من ذلك اللفظ أجلّ، يموت المعنى الحي في هذه الحروف الجامدة، وتخمد ناره بأنفاسك الباردة. إن في القلب نكتة الغيبة والحضور، وإن في القلب رمز الأيام والمرور، مِزهر الوقت ذو نغمة صامتة، فغص في قلبك لتدرك أسراره الخافتة.
نضّر الله عهداً كان سيف الزمان، حليف أيدينا على الحدثان، فبذرنا الدين في أرض القلوب، ورفعنا الحجاب عن وجه الحق المحجوب، وحلت عقدة الدنيا أناملنا، ونضر وجه الأرض سجودنا، وشربنا الصهباء من دنّ الحق، ثم سرنا بنشوة الحق بين الخلق، يا من أترعت كأسه الخمر المعتقة، وأذابت كأسه الصهباء المحرقة، وملأه الكبر والغرور والأثرة، فعيّرنا بالفقر والمتربة. لقد كانت كأسنا كذلك، زينة المحافل، يوم كنا وصدرنا بالقلب آهل، وثار من غبار أقدامنا عصر جديد، ينجلي بكل أمل بعيد ورويت مزرعة الحق بدمائنا، وسعد عُبّاد الحق ببلائنا، ودوّي العالم بتكبيرنا، وعمرت كعباتٌ من ترابنا. وأنزل الحق كلمة (اقرأ) فينا، ثم قسم رزقه بأيدينا. فإن يكن ذهب منا الخاتم والتاج، فلا تحقر ذلك الفقير المحتاج. إن نكن بزعمك مفسدين، وبالأفكار العتيقة مغرمين. فنحن لا نزال الأحرار أنصار التوحيد، قوامين على العالمين والله شهيد.
فرغنا من غم اليوم والغد، وحالفنا الله الأحد، فنحن في قلب الحق سر مكنون، ونحن ورثة محمد وموسى وهارون، لا يزال نورنا في الشمس والقمر مصوناً، ولا يزال سحابنا بالبرق مشحوناً.