ولكن إذا كان الإدراك يحصل عن طريق معرفة العلية، فليس معنى ذلك، فيما يرى شوبنهاور، أن صلة الذات بالموضوع صلة علة بمعلول، لأن هذه الصلة لا تقوم إلا بين الموضوع المباشر والموضوعات غير المباشرة أي بين (الموضوعات) وحدها - وليست تعدو الموضوعات إلى الذات. ومن ثم لا يجوز لنا أن نعتبر الموضوع معلولا للذات، ولا الذات معلولة للموضوع. إن العلية هي شرط إمكان وجود (الموضوع) وصورته العامة ولكن الموضوع يفترض الذات مقدما أو ضمناً، إذ لا موضع بغير ذات تدركه، فإذا كان ثمت موضوع، فهناك بالضرورة ذات. ويعكس ذلك يقال، إن الذات تتضمن وجود الموضوع فلا ذات بغير موضوع، ولا عارف بغير معروف. وبذلك يكون ازدواج الذات والموضوع أعم صورة لعالم (الفكرة). أنه أعم من الزمان والمكان والعلية. لأن كل هذه الصور تتضمن النسبة إلى الذات. لا شئ في هذا العالم إلا وهو - أولا وقبل كل اعتبار - موضوع بالنسبة إلى الذات، أو هو (فكرة). ومن هنا فليس للعالم المحسوس واقعية (متعالية) أو مطلقة، ولكن هذا لا ينفي واقعيته (التجريبي)، أو النسبية. ولكل كان مدرك أن يقول:(إن العالم فكرتي)، وإن كان الإنسان وحده قادرا على تصور هذه الحقيقة في وعيه المروي المجرد. (وهو إن يفعل ذلك حقا) كما يقول شوبنهاور في أول أثره الرئيسي، (يكون قد بلغ الحكمة الفلسفية. وعندئذ يتضح له ويتيقن عنده أن ما يعرفه ليس شمسا ولا أرضاً، وإنما هو عين ترى شمساً ويد تحس أرضاً، وأن العالم الذي يحيط به لا يوجد إلا بالنسبة إلى شئ آخر، هو الوعي.). وإذا كان ههنا حقيقة يمكن أن تقرر مقدما أو (قبليا) - أي قبل كل تجربة - فهي هذه الحقيقة، لأنها (تعبر عن أعم صورة لكل تجربة ممكنة ومتصورة صورة هي أعم في الزمان، والمكان، والعلية، لأن هذه الصور جميعا تفترضها مقدما. . . . إن ازدواج الموضوع، والذات هو الصورة المشتركة بين جميع أصناف الفكرات، هو الصورة التي بمقتضاها وحدها يمكن أن تقوم أو تتصور أية فكرة، أياما كان نوعها، مجردة أو عيانية، خالصة أو تجريبية. ما من حقيقة إذن أكثر يقينا، وأكثر استقلالا عن سائر الحقائق، وأقل حاجة إلى الدليل من هذه الحقيقة، وهي أن كل ما يوجد بالنسبة إلى المعرفة، وبالتالي هذا العالم كله، فإنما هو موضوع بالنسبة إلى الذات، إدراك مدرك، وبالإيجاز فكرة).