ولقد أنصتنا معشر الروس إلى هذه الكلمات في خشوع عميق وسلمنا طائعين. فماذا كانت العاقبة؟ كانت عاقبة ذلك أن دفعت المصالح الحقيقية تحت جبال من أكداس الأوراق الحكومية، وصار يستمسك بحرفية القانون في كل ما يصدر منا، بينما يترك الإهمال والجريمة بغير عقاب إذا جاءت من أعوان الحكومة، هؤلاء الذين يتمرغون في التراب أمام الوزارة ثم يسرقون في غير حياء. . . لقد باتت السرقة أمرا مألوفا حتى أصبح أكثر الناس احتراما أكثرهم سرقة؛ وصارت تقرر كفايات الضباط بمجرد النظر؛ وإذا حصل شخص على منصب قائد فإنه في نفس الوقت يمكن عده حاكما قديرا أو مهندسا ممتازاً أو سياسيا حكيما. وإن هؤلاء الذين يختارون حكاما في الجملة هم طغاة حقا يوكل إليهم عذاب الناس في الإقليم؛ وكذلك تملأ المناصب الأخرى دون أقل مراعاة للاستحقاق، فسائس الخيل مثلا يعين رقيباً للمطبوعات! ولماجن الأحمق من حاشية القيصر يعين أميرا للبحر!. . . وماذا صنعنا نحن معشر الروس طوال ذلك الوقت؟ لقد نمتا!. . أدى الفلاح ما فرض عليه وهو يئن ورهن المالكأااا نصف ضيعته وهو يئن، وأدبنا جميعا ما يطلب منا لرجال الحكومة ونحن نئن؛ ولقد هززنا رؤوسنا أحيانا في جد هامسين إن هذا عار وهوان، كما تهامسنا أن لا عدل في ساحات العدل، وأن الملايين يقضون حياتهم عبثا في سبيل تمتع القيصر بسياحاته وجواسق حرسه ومباني أبهته وسرادقاته؛ إن كل شئ حولنا خطأ، ومع ذلك فأنا بضمير هادئ يشاغب بعضنا ليحظى بالتقدم خطوة ليلحق بهذه الخدمة التي نمقتها كل المقت. . . فإذا صاح أحد بنا بغتة في هذه الغفلة الشاملة أن أفيقوا وجاهدوا في سبيل الحق وفي سبيل روسيا فما أعظم ما يبدو لنا من سخفه، ثم إنه يتعلم في سجن مظلم في سبيريا أي إثم عظيم ارتكبه بمحاولته إقلاق ما يغط فيه الغافلون من العبيد من نوم عميق.
ولكننا مع هذا كله كان لنا عزاء واحد؛ أمر يحق أن نفخر به وذلك هو قوة روسيا، وها نحن أولاء أسفاه بعد تفاخرنا قد أخذنا على غرة وأحيط بنا ونحن غافلون. . . أفيقي يا روسيا! التهمك الأجانب من أعدائك وحطمتك العبودية؛ واضطهدك وأخجلاه الحمقى من ذوي السلطة ومن الجواسيس. . . . أفيقي من نومك هذا الذي امتد في جهل وغفلة وقفي ثابتة هادئة أمام عرش الطاغية واسأليه أن يقدم حسابا عن الكارثة القومية)
وكان رجال الحكومة يشعرون أن كثيرا من الأنظمة القائمة يومذاك إنما تقوم على ما يحسه