للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لقد كان الحصار الذي يرجون هو الحكم الدستوري والمساواة لدى القانون وتحرير الزراع؛ ولئن قضى عليهم اليوم فلم تذهب دماءهم عبثاً، دم هو مهر للحرية الزهراء. . .

واشتدت حلكة الغسق في عهد نيقولا الذي عرف منذ البداية بالصرامة القاسية، وامتدت يد الطغيان إلى كل مكان، فعلى كل ما يطبع من الكتب والصحف وما يرد منها من الخارج. رقيب عتيد له من السلطان ما يمكنه من إلقاء أي شخص في غيابة السجن أو نفيه بغير محاكمة؛ والشباب سجناء في روسيا لا يسمح له لهم بالتعلم في أوروبا مخافة العدوى، ورجال الشرطة السرية يبثون عيونهم في كل ركن، ولا يحد سلطانهم قانون ولا عرف؛ ولا تقل آثامهم وفظائعهم عن فظائع محاكم التفتيش الإسبانية في العصور الوسطى إن لم تزد عنها فحشا وهولا، والقيصر مهيمن متربع على عرشه يحسب سكون الناس رضاء وولاء أو لا يجري في حسابه من عصيان أو ولاء. . .

ونسى القيصر أو لم يدر بخلده أن الحرية يعمل لها أعداؤها وأنصارها على سواء، فأولئك يذيقون الناس لباس الذل والخوف ليزدادوا له مقتا ويحتالوا على النجاة منه؛ وهؤلاء يذيقونهم الأمن والسلام ليلذهم طعمه ويحرصوا على الدفاع عنه.

ونعم القيصر بالا بما يرى من هدوءه، ولكن دوى العاصفة يسمع من خارج روسيا لا من داخلها، فها هي ذي حرب القرم تضعه وجيشه منذ سنة ١٨٥٣ تلقاء جيوش انجلترة وفرنسا وتركيا مجتمعة، ويتلفت القيصر باحثا عن حماسة الروس فينقلب إليه البصر خاسئا إذ أن كل ذي رأى في البلاد ينقم على الجيش ضعفه ويعزو ذلك إلى ما شمل الحكومة كلها من فساد. . ويحرم الطاغية من الاحترام كما حرم من المحبة، ويوشك أن يسمع دوياً آخر من داخل بلاده؛ وأي دوي كان إذ مس أذنه أشد إزعاجاً له مما احتواه ذلك المخطوط الذي تداوله الناس فيما تداولوا من المخطوطات على غفلة من الرقيب والشرطة السرية. قال مؤلفه فيما قال (يقول القيصر: لقد جعلني الله حيث أنا مهيمنا على روسيا فعليكم أن تنحنوا راكعين أمامي فإن عرشي هو كرسيه، ولا تعنوا أنفسكم بالمصالح العامة فإني أفكر من أجلكم وأسهر على مصالحكم كل ساعة؛ إن عيني الساهرة تنفذ إلى المساوئ الداخلية وإلى ما يعده لنا في الخارج أعداؤنا؛ وما أنا في حاجة إلى من يشير على فإن الله يلهمني الحكمة فافخروا إذا أيها الروس بأنكم عبيدي واجعلوا مشيئتي قانونكم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>