للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عجبا لما فيه من تناقض؛ ولكن للمسألة وجها يفسر هذا التناقض، وذلك أن هؤلاء السادة لم يكرهوا الاستبداد ولكنهم كرهوا أن تعتمد الحكومة القيصرية على طبقة الموظفين والحكام ومعظم رجالها من عنصر ألماني وتهمل أعيان الروس رغبة في القضاء على طموحهم نحو التسلط، ومن ثم رحب هؤلاء بكل شكوى تنبعث ضد القيصر وحكومته.

وثمة فريق آخر أشد العطف على كل رغبة في الإصلاح وهؤلاء هم رجال الجيش العائدون من فرنسا والقارة بعد سقوط نابليون وبخاصة الشبان، فلقد امتلأت قلوبهم بآمال وأحلام، وعادوا إلى روسيا آملين أن يطلع على بلادهم نور يزيح عنها هذا الغسق، كما عاد لافابيت وأقرانه من شباب فرنسا الذين تطوعوا في صفوف الأمريكان في حرب استقلالهم إلى وطنهم يحملون مبادئ الثورة ويرتقبون الميلاد الجديد. . .

وتسامع هؤلاء الرجال بالجمعيات السرية في القارة كالكاربوناري في إيطاليا والهيتيريان في اليونان، فأسسوا لهم في روسيا رابطة الخير العام، وجعلوها سرية بالضرورة، وتفرع من هذه الجمعية فرع في الشمال كانت وجهته الملكية الدستورية، وفرع في الجنوب كان لا يرى غير الجمهورية؛ كما نبتت في الجنوب جماعة سرية أخرى جعلت منهاجها ضم جميع السلاف في اتحاد عام ولكن هذه الجمعيات كانت كما وصفها أحد الكتاب (جيلا لا آباء له ولا أبناء)، فظلوا بعد أفكارهم ومبادئهم عن أذهان معاصريهم محصورين لا يكاد نطاقهم يتسع، ولم يأتوا عملا ذا بال إلا في سنة ١٨٢٥ فإن لما مات الإسكندر ترك ثلاثة أخوة كان أكبرهم قسطنطين ولذلك فهو وارث الحكم، ولكن الذي ارتقى العرش كان نيقولا بدعوى أن أخاه تنازل له عن حقه كما أراد القيصر المتوفى؛ وأحيط ارتقاء نيقولا العرش على هذا النحو بشبهات فانتهزت الجمعيات السرية الفرصة ورفضت فرقة جيش موسكو أن تقسم يمين الولاء للقيصر الجديد، ووقعت بعض القلاقل في الجنوب، ولكن القيصر ما لبث أن تغلب على هذه الحركة في يسر وتعرف بحركة الديسمبريين لأنها وقعت في ديسمبر من ذلك العام؛ وقضى بعض أفراد الجمعيات نحبهم ونفى البعض إلى سبيريا. قال أحد زعمائهم عند إعدامه (لقد كان خطأي أني حالت أن أجمع الحصيد قبل أن أبذر الحب)؛ وقال آخر (لقد عرفت من قبل أن لا أمل لنا في النجاح كما عرفت أنه لابد أن أضحي بحياتي! إن ساعة الحصار آتية فيما بعد).

<<  <  ج:
ص:  >  >>