عمله بشئ يمت إلى التصوف بصلة، فهو منذ عهد الطلب من المشتغلين بشؤون الاقتصاد والمال.
قال مؤلفنا في مقدمته لرسالته:(وقد جهل بعض الناس رسالة الصوفية فعابوهم وأنكروا عليهم مسلكهم ظلما وزورا أو جهلا وغرورا، ولا عجب فالناس أعداء ما جهلوا، فمن قائل إن الصوفية بدعة لا أصل لها في الدين، ومن قائل إن الصوفية قوم كسالى متواكلون، ومن قائل إنهم متشددون، وكل هذا بعيد عن الصواب، وسأحاول إن شاء الله أن أبين في هذه الرسالة على قصرها شيئا من فضل هؤلاء السادة الأماثل، ولعلي أبلغ من ذلك المراد من إعطاء الناشئة الإسلامية فكرة صحيحة عن الصوفية وما تدعو إليه وما تؤديه للإسلام من خدمات في تربية القلوب وإصلاح الأرواح. . .).
ونستطيع أن نطمئن الأستاذ إلى أنه بلغ المأمول، فرسالته على إيجازها تنقل إلى الأذهان والأرواح التي تجهل التصوف معاني متسامية تهزها وتبهرها وتفتحها. . .
تكلم المؤلف موفقا عن معنى الصوفية، ومتى، وكيف نشأت، ومم اشتق اسمها، وعرض لغايتها، ثم لخص محسنا قواعد التصوف، واستطرد إلى إيضاح سبل الصوفية في نشر مبادئهم، وأوضح كيف يختار المريد شيخه، ثم عقب بترجمة مناسبة لأستاذه ومسلكه (الشيخ عبد السلام الحلواني) رحمه الله.
والمؤلف في كتابته يورد عن السلف الصالح عبارات جذابة. وترجمته لشيخه تتأرجح بالوفاء والحب، وتستأهل الثناء الأوفى، فقليل الآن من المريدين من يشكر لصنيعه أستاذه وقليل منهم من يسقى المودة بينه وبين شيخه، وخاصة بعد أن يذهب هذا إلى العالم البعيد. عالم الموت.
والذي يلفتني في ترجمة الشيخ - وهي حافلة كلها بما بجدد في الأذهان ذكرى الأسلاف الأمجاد من الصوفية - مناقب يجب أن تكون من ألمع مناقب المربين الصوفيين. . . تلك هي: استغناؤه عن الناس، وتعففه عما في أيدي مريديه، وتواضعه لهم. . .
ولا جرم أن شيخا لا يستوفي هذا الشمائل، فلا يقيم الموازين لغير المال، ويعمل تحت ستار المشيخة شحاذا أو سلابا، ويلقى الناس في ترفع شامخ، هو أبعد ما يكون عن التصوف، بل هو أبرز مظهر للفساد الخطير الذي دب إلى الصوفية، والذي يضرع رجالها