نستخلصها من الدواوين لأمثال المتنبي والمعري وأبن الرومي وأبي نواس وأن يعرف من غزله أطواراً لحبه في الشاب والمشيب، وأوصافاً لمن أحبهم ونظم الغزل فيهم على اختلاف المحاسن والسجايا وألوان الغرام.
ومعنى ذلك إنه يستطيع أن يترجم قصائد شوقي ويحتفظ لها بالجوهر الذي لا يزول بزوال المحاسن اللفظية والنغمة الموسيقية، ويستطيع أن يتحدى الناقد بقصيدة تتماسك في بنيتها كما يتماسك الأحياء وتستعصي على محاولة التقديم والتأخير.
فإذا استطاع هذا جاز له إن يسمى استحسانه استحساناً وأن يسمى كلامه رداً على نقد وبياناً في معرف الآراء والأذواق.
أما أن يكون قصاراه (الاستحسان وبس)! فله أن يستحسن (وبس) كما يريد، وله أن يقول إن المستحسنين مثله (وبس) كثيرون. . . ولكن أي استحسان هذا الذي تقيمونه معياراً لآداب الإنسانية يا هؤلاء؟
إن الذين طربوا لشعر شوقي ولم يلمسوا مواطن النقص فيه هم بأعيانهم أولئك الذين طربوا لتلك الأغاني السقيمة الشائعة، ورددوها وترنموا بها ولا يزالون يترنمون بها وهي تغثي النفوس وتفرغ المعدات.
أفهذا هو المقياس القويم المستقيم، وما نبسط نحن من خلاصة الآداب الإنسانية هو التحيز والعجز عن التقدير؟
أفهموا يا هؤلاء أولاً.
وأفهموا يا هؤلاء ثانياً.
وأفهموا يا هؤلاء أولاً وأخيراً.
أفهموا قبل أن تتهموا، وأفهموا قبل أن تنصبوا أنفسكم قدوة للنقد والتقدير، ومحكمة تقضي بالتحيز وتستأثر لقضائها بالإنصاف.